فرقة ناجي عطا الله

على الوتر
03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

في الحلقات الأولى من مسلسل فرقة ناجي عطا الله تخيلناه سيكشف لنا مستور المجتمع الصهيوني ويعريه أمام الرأي العام العربي، وسيعرفنا إلى نقاط ضعف ونقاط قوة الشخصية الإسرائيلية، وملامحها التي عجز الباحثون والمحللون والأدباء عن سبر أغوارها، كما وعد يوسف معاطي مؤلف المسلسل الذي لام المقاطعين لها، وطالب بالتعامل معها ودراسة مكنونها والتعرف إليها عملاً بمبدأ اعرف عدوك، ولكننا بعد ذلك اكتشفنا أن ما شاهدناه لم يكن سوى تمهيد لمغامرات ناجي عطا الله الكبرى ليحقق في الحلقات التالية ما عجز الجميع عن تحقيقه في سنوات .

في البداية شاهدنا ناجي عطا الله يوزع الفلوس على كل محتاج من أصدقائه الإسرائيليين وكأنه بابا نويل، وقلنا إن الضرورة الدرامية هي التي فرضت ذلك، ثم شاهدناه القاهر لكل من حوله في تل أبيب، وصاحب الكلمة العليا والإرادة النافذة، ومنحناه العذر خصوصاً أن الدراما العربية في معظمها تعاملت مع الشخصية الإسرائيلية بنفس المنطق، وصورتهم لنا كمجموعة من السذج، الغائبين عن الوعي، والأغبياء، ولكنها لم تقدم مبرراً مقنعاً لاحتلال هؤلاء السذج الأغبياء أرضاً عربية منذ 64 عاماً!

ناجي عطا الله بعد استبعاده من عمله في السفارة المصرية في تل أبيب، عاد إلى القاهرة وجمع فرقة من جنوده السابقين (كان قائداً عسكرياً قبل العمل الدبلوماسي) من تخصصات مختلفة، وعاد إلى إسرائيل متسللاً عبر الأنفاق، وبمنتهى السهولة وخلال دقائق معدودة قام بسرقة أكبر بنك هناك، وحمل وفرقته 200 مليون دولار وخرجوا من تل أبيب بمنتهى اليسر، وهي مغامرة حاولنا أن نقبلها وإن كانت واسعة كثيراً، وفي طريق خروجه عبر لبنان قبض عليه وعلى فرقته حزب الله وتخيلهم جنوداً إسرائيليين ليعلن عن أسر 8 جنود صهاينة، وبعد أن اكتشف أنهم مصريون، طلب منهم أسر8 صهاينة ليحلوا محلهم حفاظاً على مصداقيته، وهو ما نفذه عادل إمام أو ناجي عطا الله مع شاب وفتاة من فرقته بمنتهى السهولة .

هل يتخيل أحد أن أسر 8 صهاينة بالبساطة أو بالسذاجة التي قدمها للمشاهدين مسلسل ناجي عطا الله، أم أنه سوبرمان الخارق والقادر على فعل ما يعجز عنه البشر، وطالما أن لدينا سوبرمان خارقاً فلنستفد منه ونكلفه أسر كتائب إسرائيلية، ليسهم بقدراته الأسطورية في استعادة القدس والأرض الفلسطينية المنهوبة!

عادل إمام عاد إلى الشاشة الصغيرة بعد غياب 30 عاماً من خلال ناجي عطا الله وهي عودة انتظرها الملايين من عشاقه، ورحبت بها فضائيات مختلفة لم ترد أن يغيب نجم الكوميديا الأول على مدار ما يقرب من 40 عاماً عن شاشتها، وهذه القنوات جنت أرباحاً من وراء عرض المسلسل، ومن يتابع ويشاهد يجد كمية من الإعلانات تتخلله لم تتوفر لمسلسل آخر خلال هذا العام والأعوام الماضية، ولكن كنا نحلم بعودة واقعية له، يقدم فيها عملاً نصدقه ويقول كلمة نرددها ويفعل فعلاً تقبله وتستوعبه عقولنا .

الفن حلم، وتجسيد لأحلام الناس أحياناً، ولكن لا ينبغي أن يكون الحلم شاطحاً وجامحاً إلى هذا الحد، كنا نريد حلماً واقعياً، وكنا نتمنى صورة نصدقها، ولكن عادل إمام ذهب بنا بعيداً فتمايل بنا ما بين الخيال المقبول والنكتة السياسية وما بين البطولات الخارقة والمواقف اللامنطقية .

إمام الذي أكد اليوم أنه ما زال يعرف كيف يحافظ على نجوميته ومكانته، وأن الجمهور يلتف حوله وينتظره، وقع في أخطاء كان من الممكن تفاديها لتكتمل الحبكة الدرامية وليترفع المسلسل عن أسلوب الخطابة السياسية من جهة والتقليل من حجم الواقع والقضية من جهة أخرى .

عادل إمام استعاد بعض الصور من أفلامه القديمة، عندما كان يجسد الرجل الخارق الذي يفعل المستحيل بعضلاته، وفي المسلسل يفعل أيضاً المستحيل ولكن بعضلات الشباب الذين اختارهم على الفرازة مفتولي العضلات .

المسلسل أيضاً وقع في أخطاء حيث شاهدنا شعار وعلم حزب الكتائب اللبناني على أحد مقاره في مشهد يفترض أن أحداثه تدور في غزة، وشاهدنا مطاً وتطويلاً وسيارة تأخذنا في طرق طويلة على أنها طرق فلسطينية وهي طرق لبنانية، ولكننا أيضاً شاهدنا صورة معبرة جميلة أجاد في رسمها مخرج المسلسل رامي عادل إمام، ولمسنا في الفنان الكبير نفس روحه الشبابية الكوميدية رغم تقدمه في العمر، وإن كان نجله محمد يحاول محاكاته وتقليده إلا أنه لم يكن موفقاً، وعليه أن يلتزم أداء الأدوار الجادة إذا كان يحلم بمكانة على الخريطة الفنية، والدليل تفوقه بعيداً عن أبيه في مسلسل خطوط حمراء، كما تميز في ناجي عطا الله الفنان أحمد السعدني، أما بقية الشباب فقد أدى كل منهم المطلوب منه وخلقوا معاً حالة من التنوع .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"