فلسطين تجمعنا

03:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من حالة التشظي التي يعاني منها الوطن العربي، وحالات الإحباط الشديد، والصراعات المختلفة التي تعيشها منطقتنا العربية، إلا أن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية، بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، يقدم لنا من جديد الدليل على أن القضية الفلسطينية، وإن تراجع الاهتمام العالمي بها قليلاً، في غمرة الأحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة العربية، بعد ما سمي ب«الربيع العربي» تبقى قضية العرب المركزية، بل والرافعة التي يمكن من خلالها معالجة حالة التردي والتشظي العربي المؤلم.
التظاهرات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة، والكثير من المدن العربية والعالمية أكدت أن القضية الفلسطينية ، انه مهما تراكم عليها غبار عمليات التسوية الفاشلة، والتنازلات المجانية التي يقدمها المنظرون للسلام مع الاحتلال، تبقى حية ليس في وجدان الشعب الفلسطيني المكافح وحسب، وإنما في الوجدان العربي عامة، ولا أدل على ذلك من الإجماع العربي الكامل حول رفض الخطوة الأمريكية، في كل العواصم العربية، من المحيط إلى الخليج، سواءً كان ذلك على المستوى الرسمي، أو الشعبي.
ومع أن مستوى الرد العربي ربما لم يرتق إلى المستوى المطلوب فعلاً، لا سيما من قبل السلطة الفلسطينية المعنية أكثر من غيرها بالأمر، إلا أن ما حدث يذكرنا بالمقولة التي تقول: رب ضارة نافعة، فصحيح أن اعتراف واشنطن بالقدس العربية المحتلة يمثل انتهاكاً لكل القوانين والأعراف الدولية، وهو ما بدا واضحاً من خلال مجلس الأمن الدولي ورفض جميع أعضائه القرار الأمريكي، أو المواقف الدولية المتفرقة، إلا أن هذه الخطوة الأمريكية، ساهمت من غير أن يدري صانع القرار الأمريكي في نقل القضية الفلسطينية مجدداً إلى مكانها الطبيعي، باعتبارها الصراع الأهم والمصيري في المنطقة، وأن كل الصراعات التي تشهدها الدول العربية، تبقى هامشية في الوجدان العربي، إذا ما قورنت بالصراع العربي «الأسرائيلي» .
ما جرى رغم أثره السلبي في النضال الوطني الفلسطيني، وأنه يشبه إلى حد ما وعد بلفور الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور قبل مئة عام، الذي أعطى اليهود الحق في وطن لهم في فلسطين على حساب الشعب العربي الفلسطيني، إلا أن ذلك يجب ألا يلغي أهم الحقائق التاريخية التي باتت معروفة لدى الجميع، وهي أن الشعب الفلسطيني لم ولا ولن يتخلى عن حقه المقدس في العودة إلى وطنه، وتحرير بلاده من الاحتلال العنصري الصهيوني، رغم كل الظروف التي مر أو يمر بها، وأن الحق التاريخي للشعب الفلسطيني، أمر راسخ في الوجدان الفلسطيني، ولا يمكن إلغاؤه بقرار من هذا الطرف أو ذاك مهما بلغ هذا الطرف أو ذاك من القوة، والتاريخ خير شاهد على أن حقوق الشعوب لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم من أي شخص كان، فقد احتلت فرنسا الجزائر أكثر من مئة وثلاثين عاماً، ولدت خلالها أجيال بكاملها في ظل الاحتلال الفرنسي، ولم يستطع الاستعمار الفرنسي إلغاء الوطنية الجزائرية، وقبل ذلك احتل العثمانيون الوطن العربي لأكثر من أربعة قرون، لكنهم لم يتمكنوا من إلغاء الفكرة الوطنية العربية، وقس على ذلك مثلاً الشواهد التاريخية الأخرى سواء في منطقتنا العربية، التي ابتليت بأشكال مختلفة من الاستعمار، أو مناطق أخرى كثيرة من العالم، حيث فشلت النازية الألمانية رغم كل ما تمتعت به من إمكانيات عسكرية وبشرية هائلة، في إلغاء شعوب صارعتها عن الخارطة، واستطاعت هذه الشعوب أن تنهض من بين الأنقاض بعد دحر المشروع النازي العنصري.
هذا الواقع يجب بالتأكيد ألا يقود إلى الركون إلى فكرة الاستسلام أن التاريخ هو الذي سيحسم الصراع، وإنما يجب في الوقت ذاته العمل على استنهاض القوى العربية الرافضة للوجود الصهيوني، والعمل من أجل تفعيل النضال الوطني الفلسطيني، وتصويب المسار السياسي الذي غرق في متاهات تسوية، أثبت التاريخ أنها ليست سوى مسرحية من المفاوضات العبثية، فهل تفتح قضية القدس، وتداعيات القرار الأمريكي الأخير بشأنها الباب لمراجعة حقيقية للسياسة الفلسطينية، التي يجب أن تعيد النظر في كل عملية التسوية مع «إسرائيل»، والتي أثبتت حتى الآن أنها عقيمة ولن تقود أبداً إلى تحقيق حتى الحد الأدنى من المصالح الوطنية الفلسطينية.
وأخيراً وليس آخراً نقول: إنه رغم كل جراحاتها، والانتكاسات التي تمر بها، إلا أن القضية الفلسطينية والقدس خاصة أثبتت من جديد أنها الرافعة القادرة على إنهاض المشروع العربي الحقيقي، لما تحمله من رمزية عربية وإسلامية ومسيحية أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"