فوز بوتين خبر سار للنظام السوري

05:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

لم تشكل نتيجة الانتخابات الرئاسية الروسية مفاجأة لأحد، فكل استطلاعات الرأي كانت تتوقع حصول بوتين على نحو الستين في المئة من أصوات المقترعين، رغم الحملة الاحتجاجية التي وقفت ضد توريث السلطة له من ولده بالتبني الرئيس ميدفيديف . وبوتين نفسه كان أكثر من واثق بالفوز ومن الدورة الأولى إلى درجة أنه سمّى ميدفيديف رئيساً للوزراء قبل حصول الانتخابات، بل أكثر من ذلك أخذ يتكلم عن احتمال ترشّحه لانتخابات العام 2016 المقبلة . الرجل واثق من قدرته على البقاء قيصراً على روسيا حتى العام 2022 على ما يسمح الدستور .

بعد صدور النتائج التي أعطت بوتين نحو 64 في المئة من الأصوات، وهو فوز ساحق، بالمعيار العددي على الأقل، فإن أطرافاً من المعارضة اتهمته بالتزوير، على الأقل في بعض الدوائر، لكن مثل هذا التزوير المزعوم لا ينفي حقيقة أن الانتخابات أثبتت أن بوتين هو الرجل الأكثر شعبية في روسيا، بدليل أن خصومه الأربعة توزّعوا في ما بينهم ثلث أصوات المقترعين .

الآن وقد حدث ما كان متوقعاً، فالسؤال الذي يطرحه المراقبون يتعلق بما إذا كان بوتين آخر جديد سيعود إلى الكرملين . من هؤلاء من يعتقد أن الحركة الاحتجاجية لابد أن تدفع الرجل إلى التعاطي بطريقة مختلفة مع الحكم ومع الخصوم، طريقة أكثر ديمقراطية بدليل أنه وعد بالاستماع إليهم بعدما طلب من ميدفيديف استقبالهم ومحاورتهم . وبناء عليه فالمتوقع أن ينفذ الرئيس مجموعة من الإصلاحات الداخلية، وأن يستمر في السياسة الخارجية نفسها التي أعادت إلى روسيا موقعها على الخريطة الدولية، بعدما تحولت إلى بلد من العالم الثالث في عهد بوريس يلتسين .

في الحقيقة ما من سبب لكي يغير بوتين شيئاً في سياسة جعلته الرجل الأقوى والأكثر شعبية في روسيا، إلى درجة أنه في العام 2008 قام بتعيين رجل ضعيف ومجهول هو ميدفيديف رئيساً للجمهورية، وسار الشعب الروسي خلفه في خيار لم يتوقعه أحد ولم يكن يجرؤ عليه أحد . كان وزير الخارجية لافروف هو المرشح الأوفر حظاً لخلافة بوتين وقتها، لكن هذا الأخير قرر غير ذلك وكان له ما أراد . كان واضحاً للجميع أنه يسعى إلى البقاء في السلطة من غير منازع والعودة إلى الرئاسة ساعة يشاء . وهذا ما حصل بالفعل .

خلال رئاسة ميدفيديف كان رئيس الوزراء بوتين هو الحاكم الفعلي للبلاد، وقد ظهر ذلك في غير أزمة دولية، وأبلغ مثال على ذلك الحرب التي اندلعت مع جورجيا في العام 2009 . وقتها شاهد العالم أجمع رئيس الوزراء، وليس رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، يعطي الأوامر للجيش الروسي بغزو جورجيا رداً على اعتدائها على أبخازيا الجنوبية، فيجبر مبعوثي قادة أوروبا والولايات المتحدة على الحجيج إلى موسكو سعياً وراء حل سياسي للأزمة، وهو حل جاء على حساب الرئيس الجورجي ميخائيل شاكا شفيلي ولمصلحة بوتين الذي استحصل بالمناسبة على وعد من حلف الأطلسي بوقف مساعيه لضم جورجيا وأوكرانيا إليه .

في الأزمة بين إيران والغرب وبين هذا الأخير وسوريا، يبدو بوتين ممسكاً بالورقة الأقوى، وبأن لا حل ممكناً من دونه . لقد أعلنها منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في العام 2000 بأنه سيعيد روسيا إلى موقعها كقوة عظمى . وفي فبراير/شباط 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن، وصف بوتين الولايات المتحدة بالذئب وبأنها تسعى إلى السيطرة على النظام الدولي، واعداً بالتصدي لهذه الإرادة، ما حدا بالمراقبين إلى إعادة استخدام مصطلح الحرب الباردة البائد . كشف الرجل عن مهارة سياسية فائقة، إذ نجح بالسيطرة على الداخل بعد إقصاء الأوليغارشيين الذين كانوا يسيطرون على الاقتصاد، كما وزّع رجاله الأوفياء على المراكز الحساسة في الدولة، فضمن لنفسه موقع الرجل الأقوى في بلد يحب شعبه القادة الأقوياء .

هنأه الأمريكيون على الفوز وتمنوا أن يغير سياسته حيال سوريا، وهذا التمني مبني على معرفتهم بأن الرجل يتقن لعبة التجارة بين الدول . ليس لأنه نجح في ضم بلاده إلى المنظمة العالمية للتجارة وإلى مجموعة البريكس الناشئة، بل لأنه على الأرجح يسعى إلى مقايضة الورقة السورية التي بات يضعها في جيبه . إشارات عديدة صدرت عن موسكو تنم عن ذلك، فوزير الخارجية لافروف أعلن من أستراليا مؤخراً بأن بشار الأسد ليس حليفاً ولا صديقاً لروسيا وبوتين نفسه قال الأسبوع الماضي بأن سوريا ليست حليفاً لبلاده . ماذا يعني هذا الكلام سوى دعوة إلى فتح بازار على ثمن هذه الورقة؟ البازار بدأ، ولكن الأمريكيين لم ينضموا إليه بعد، وعلى الأرجح أنهم سيفعلون بعد أن ينتهي بوتين من تشكيل حكومته الجديدة . بشار الأسد هنّأ بوتين بعبارات فيها الكثير من الإطراء والتفاؤل، لكن فرحه بنتيجة الانتخابات الروسية قد لا يطول!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"