فيروس يتربّص بالأسواق

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
تيم فوكس *

المفاجآت الصحية التي انبثقت من دول الأسواق الناشئة لا تترك آثاراً طويلة الأمد، إلا أنها تكشف أنّ مصدر قلق الأسواق لا يقتصر على المخاطر الملموسة.
ما لبثت الأسواق أن تغلبت على المخاطر الجيوسياسية الإقليمية مطلع العام الجاري، ووجدت جرعة تفاؤل في الصفقة التجارية الموقعة بين الولايات المتحدة والصين، وبدأت في العودة إلى طبيعتها منتصف الشهر الجاري؛ حتى تربّص بها تهديدٌ جديد، ولكن هذه المرة جاء محمولاً عبر الهواء... إنه فيروس «كورونا». يذكرنا هذا الفيروس بالمفاجآت الصحية السابقة التي انبثقت من دول الأسواق الناشئة، مثل فيروس «السارس» (متلازمة الالتهابات التنفسية الحادة)، الذي انتشر في عام 2003، وفيروس «إيبولا» في عام 2014، و«إنفلونزا الطيور»، و«إنفلونزا الخنازير»، وفيروسي «ميرس» و«زيكا». وعموماً، لا تترك هذه الأمراض آثاراً طويلة الأمد، إلا أنها تكشف بأنّ مصدر قلق الأسواق لا يقتصر على المخاطر الملموسة فحسب، وإنما يتعداها إلى تلك التي تظهر فجأةً من العدم، وتتسبب بحالة مرعبة من عدم اليقين.
وقد تصاعدت المخاوف إزاء تفشي فيروس «كورونا» الذي ظهر في الصين مطلع العام الحالي، خلال الأسبوع الماضي، مع تأكيد عدد من الإصابات في أجزاء أخرى من العالم شملت أوروبا والولايات المتحدة. ولعل وباء «السارس»، الذي أصاب الصين وأجزاء أخرى من قارة آسيا مطلع القرن الحادي والعشرين، هو الأقرب إلى فيروس «كورونا» من حيث الشبه والمنشأ. كما أن حجم الاستجابة الحالية يعكس مدى جدية التعامل مع هذا المرض، سواء في الصين أو في جميع أنحاء العالم.
وخلال الأسبوع الماضي، فرضت الحكومة الصينية قيوداً على السفر من وإلى مدينة ووهان، التي ظهر فيها المرض لأول مرة. واتخذت دول أخرى تدابير طارئة؛ لتحديد حاملي الفيروس المحتملين وإدخالهم إلى المستشفى. ورغم أن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن الفيروس لم يتحول إلى وباء عالمي بعد، فإنها لم تستبعد «احتمال أن يصبح كذلك».
وفضلاً عن تأثيره على الدول والسكان، فقد هزّ فيروس «كورونا» الأسواق المالية أيضاً ولا سيما في الصين والمراكز المالية الأخرى حول آسيا. ففي الأسبوع الماضي، تقلص مؤشر «شنغهاي المركب» للأسهم بنسبة حوالي 4,0%، في حين انخفض مؤشر الأسهم في هونج كونج «هانغ سنغ» بنسبة 3,5%. وبدوره، انخفض الرنمينبي الصيني بنسبة حوالي 1,0% خلال الفترة نفسها، فيما تراجعت العملات الآسيوية الناشئة الأخرى بالتوازي مع تدهور معنويات المستثمرين تجاه المنطقة.
ومن المرجح أن تواصل أسعار الأصول الآسيوية الرزوح تحت وطأة بعض الضغوط على المدى القصير، فيما لم تتضح بعد حدّة تفشي المرض. وثمة ما ينذر بتأثر الاقتصاد الصيني أيضاً، إذ شهد الأسبوع الماضي الاحتفال برأس السنة الصينية الجديدة، وهي فترة يزداد فيها إنفاق الشعب الصيني على السفر وتجارة التجزئة عادةً. وبالنظر إلى القيود المفروضة على السفر والإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها لتجنب الإصابة بالعدوى، من المرجح أن يتراجع النشاط الاقتصادي في الصين خلال الربع الأول من العام الحالي؛ مما يعزز موجة التراجع التي نشهدها حالياً. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى المستقبل البعيد، ثمة شكوك بأن يكون لتفشي فيروس «كورونا» أي تأثير ملموس أو طويل الأمد على اقتصاد الصين أو أي تأثير خطِر على الصحة الاقتصادية للدول الآسيوية الأخرى، أو حتى تأثير أقل على باقي دول العالم.
ففي نهاية المطاف، كانت الآثار الاقتصادية لتفشي وباء «السارس»، والذي كان أكثر خطورة وأشد وطأة من فيروس «كورونا»؛ محدودةً نوعاً ما، وتم احتواؤها بحيث لم تدم طويلاً. كما تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد في الربع الثاني من عام 2003 في عدد قليل من الاقتصادات الآسيوية، ولكن ليس في مكان آخر. وسرعان ما تعافى معدل النمو حتى في آسيا نفسها. وعلى الصعيد العالمي، فقد يكون شأن الاقتصاد الصيني ارتفع اليوم عما كان عليه في عام 2003، لكنّ ردة الفعل هذه المرة كانت أسرع وأكثر شفافية، مما يرجح بأن يكون تأثير الفيروس أخف عموماً.
وستبقى الأسواق الصينية مغلقة حتى يوم الجمعة المقبل بمناسبة السنة القمرية الجديدة، حيث سنشهد صدور مؤشرات مديري المشتريات الرسمية لهذا الشهر. وعلى الرغم من عدم معرفة التأثير الكامل والمؤكد لتفشي فيروس «كورونا» على عامل الثقة حتى الآن، فإنه قد يكون هناك بعض العلامات المبكرة لذلك. ففي الواقع، من الواضح أنّ تفشي الفيروس سيلحق الضرر بالاقتصاد الصيني إلى حد ما في الربع الأول من العام الجاري. وبجميع الأحوال، ربما تكون حالة عدم اليقين إزاء الفيروس هي الخطر الأكبر الذي يهدد الأسواق المالية، وعلى الأرجح سيكشف الأسبوع المقبل ما إذا كانت هذه الحالة قد تجاوزت ذروتها أم لا

* رئيس قسم الأبحاث وكبير الاقتصاديين لدى مجموعة «بنك الإمارات دبي الوطني»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"