في انتظار حكم التاريخ

04:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
انقضاء عام على توقيع الاتفاق النووي مع إيران (يوم الخميس الماضي) كان مناسبة انتظرها السياسيون والإعلاميون الأمريكيون لإعادة طرح المسألة الإيرانية من كل جوانبها، وليس فقط الاتفاق الرامي إلى منعها من تطوير أسلحة نووية. الحوارات الساخنة التي تجددت بهذه المناسبة أظهرت أن عاماً كاملاً لم يفلح في تقريب المسافات بين المدافعين عن الاتفاق والمعارضين له. بل على العكس أوضح الجدل الحاد أن الهوة بين المعسكرين ازدادت اتساعاً، وأن كلاً منهما يعتبر أن العام المنقضي أثبت صحة تقديراته ودقة حساباته.
أوباما ومن يسانده من مؤيدي الاتفاق ما زالوا عند رأيهم بأن العالم أصبح أكثر أمناً بعد تجريد إيران من مخالبها النووية، أو هكذا يعتقدون. ولا يتوقف أنصار الرئيس وأركان حكمه على التأكيد أن المراقبة الصارمة، والضغوط المتواصلة، والتلويح بالعقوبات وحتى بالحرب، كلها وسائل ناجعة وحاسمة تكفل انصياع إيران وتنفيذها لما وقّعت عليه.
لا يرون كذلك مبرراً للحديث عن مراوغة إيرانية في الوقت الراهن، لأن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد حتى الآن التزام طهران بشروط وقواعد التفتيش على منشآتها، وأن نتائج التفتيش لم تكشف عن أي مخالفات جسيمة.
على الجانب الآخر ، لا يرى معارضو الاتفاق فيما جرى خلال العام المنصرم أي دلائل تبشر بالخير وتبدد مخاوفهم وشكوكهم العميقة تجاه إيران. يدعم هؤلاء موقفهم بأسانيد كثيرة منها تقارير استخبارية ألمانية حديثة ، تشير إلى سعي الشركات الإيرانية إلى شراء مواد يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية. ولدى إيران تاريخ طويل وسيئ من التهرب من التزاماتها وخداع المجتمع الدولي، ولا يوجد ما يشير إلى تغيير هذا السلوك. قادة إيران، كما يقول أصحاب هذا الرأي، لم يتوقفوا قبل أو بعد الاتفاق، عن دعم الإرهاب، والعبث في الشرق الأوسط. وما تدخّلهم المدمر في لبنان وسوريا واليمن والعراق إلا أمثلة صارخة تدينهم إدانة دامغة.
هناك أيضا الاستفزازات الإيرانية المستمرة ضد السفن الأمريكية في الخليج ، مثل إطلاق النار بالقرب منها أو تحليق الطائرات فوقها أو اعتقال البحارة العشرة في يناير الماضي. وتحصي صحيفة «وول استريت جورنال» 330 واقعة من هذا النوع الاستفزازي خلال 2015.

ومن وجهة نظر معسكر الرفض فإن كل ما تدّعيه إدارة أوباما لتسويق الاتفاق إلى الرأي العام الأمريكي مردود عليها. فإذا كانت الإدارة تزعم أن تلك هي المرة الأولى في التاريخ التي يصبح فيها بمقدور الولايات المتحدة التحقق من التزام إيران بتعهداتها، فإن الواقع يقول إن ما تمتلكه واشنطن الآن من معلومات عن القدرات النووية لإيران أقل مما كان لديها من قبل.

هكذا يعتقد المعارضون، ويقولون أيضا إنه إذا كانت الإدارة تزف للأمريكيين البشرى بإمكانية الدخول إلى كافة المواقع العسكرية الإيرانية، فإن الثابت حتى الآن أن إيران ترفض تفتيش بعض المواقع المهمة والمشتبه فيها ، مثل مجمع بارشين العسكري. أما ما تدّعيه الإدارة عن احتواء الخطر الإيراني ، فإن التجارب الصاروخية المستمرة تتكفل بالرد عليه ودحضه. دعك من التعاون الذي تتسرب أنباؤه بين إيران وكوريا الشمالية للحصول على تكنولوجيا نووية، وهو ما تراقبه واشنطن بلا حول ولا قوة.

باختصار قدّم أوباما، كما يقولون، تنازلاً مجانياً لإيران. ووقّع اتفاقاً وصفته صحيفة نيويورك بوست الأسبوع الماضي بأنه الخطأ الدبلوماسي الأكبر والأفدح في تاريخ الولايات المتحدة. وأن ميراث أوباما الأبرز سيكون إيجاد إيران المسلحة نووياً، وسوف يندم على ذلك.
هل هذا الاتهام القاسي صائب؟ أم أن الاتفاق هو إنجاز أوباما الأكبر بالفعل؟ أي هل يقلص الاتفاق قدرات إيران النووية، أم أنه مجرد باب خلفي للإفلات من العقوبات؟

من وجهة نظر خبير سياسي شهير هو دنيس روس فإن الاتفاق يقع في منطقة وسط بين هاتين النقطتين، ومن ثم فإن الفيصل هو كيفية تطبيقه والتزام إيران به. لا يختلف مع هذا الرأي خبير آخر هو وليام بيرنز النائب السابق لوزير الخارجية، الذي يرى أن الاتفاق ليس أفضل نتيجة يتمناها المرء، ولكنه أفضل ما يمكن الوصول إليه حالياً. يتفق الاثنان على أنه ليس من العدل الانحياز لأي من معسكري التأييد أو المعارضة، لأن الحكم النهائي يجب أن يظل مؤجلاً لبعض الوقت.

عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"