قراءة في كتاب رشيد الخيون “أبوظبي . . تصالح العقل والثروة”

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

كاتب هذا الكتاب، "أبوظبي . . تصالح العقل والثروة" هو رشيد الخيون، كاتب وأديب وإعلامي عراقي، له اليوم مكانة مرموقة بين الكتّاب الإعلاميين العرب الذين يعيشون بأفكارهم وأقلامهم على مقربة من الأحداث الجارية في المنطقة العربية، ومن المدركين لمدى تأثير هذه الأحداث، سلباً وإيجاباً في المنطقة الخليجية، وهو من ذوي الأقلام الرشيقة، يغرف من معرفة ذات سعة في ما يكتبه ويدوّنه، ويستشف القارئ لما يكتبه أنه أمام كاتب يقرأ كثيراً وبإمعان، وهذه القراءة تعطيه مخزوناً جيداً من المعارف العامة في الأدب والتاريخ والتحليل السياسي .
وهناك اليوم على رفوف المكتبات كم كبير من الكتب تحمل اسم أبوظبي ودبي، بلغات مختلفة، ولو أحصينا هذه الكتب، خاصة تلك التي صدرت خلال الأعوام الأربعة الماضية، لوجدناها تفوق ما كتب عن مدن شرق أوسطية في هذه المدة . . ولو أتى زائر اليوم إلى أبوظبي كان قد رآها قبل ربع قرن من الزمن، لهاله المشهد، ولوجد عمراناً وبناء وإنشاء وبنى تحتية وفوقية، تأخذ بلُبّه، وقد لا يصدق عينيه أنه في مكان سبق أن رآه قبل بضع سنين .
كتاب، "أبوظبي تصالح العقل والثروة"، يسجل لنا مشهد التحولات التي جرت لأبوظبي، في صور ناطقة وحية من بلدة صغيرة جغرافياً وديمغرافياً إلى مدينة ينبض كل معلم فيها بالعصرنة والحداثة وسط جنائن وحدائق وزرع ونخل باسقات لها طلع نضيد، ومعابر فسيحة سهلة المسالك، وخلق من البشر كثير، متجانس، وإن بدا على سحنات وجوهها تضاد في الألوان، ما ينبئ عن تجمع مريح لا تُخدش فيه كرامة الإنسان لعقيدة أو لون أو انتماء .
هذه أبوظبي، وهذه دبي، اللتان تشكلان الرئة والقلب، عضوان نبضاتهما الحية والمتلاحقة تشيران على أنهما بحق، بقعتين تسطع فيهما شمس المدنية بأنوارها لتصبحا مصَرين تأخذان وتحتلان كل أماكن أمصار من تلك التي علت جدرانها غبار الإحن والمحن والتي لم تجد يداً حانية تمسح الغبار، ولا معمّراً يملأ ويصلح الحفر والشقوق في جدرانها المتداعية .
كتاب، "أبوظبي، تصالح العقل والثروة"، يتحدث عن الصحراء وتعميرها بشكل يتحدى ما سّمي بمدن الأمصار، في العراق والشام وغيرهما، وكيف قام أهل الوبر بالتفوق على أهل المدر، ليس بالإرادة والعزيمة وحدهما، ولكن بجعل البناء والتعمير مُوازيين لعدالة اجتماعية راقية، وبالتوازن بين هذين العاملين على نهج متعادل، وإن القيادة في الإمارات، وفي هاتين المدينتين الكبيرتين أبوظبي ودبي، على وجه الخصوص، أخذت عامل المبدأين السالفين الذكر للبناء وتوفير الحياة الكريمة . . بعين الاعتبار، ووضعهما نصب عينيها .
وليس المهم وكتاب، "أبوظبي تصالح العقل والثروة"، لا يغفل الإشارة إلى ذلك أن تكون للتجمعات الحضرية عراقة في بطون التاريخ، ولكن المهم أن تنبري بين هذه التجمعات قيادة تتخذ من عامل جذب الناس إليها من كل حدب وصوب وسيلة لكي تعاونها على خلق العراقة، وفي رأيي أن أساس عراقة المدن لا يختصر في وجود آثار للعيش في زمن غابر، ولكن الأساس أن يكون حاضرها مدنياً، جاءت هذه المدنية قبل عام أو قبل آلاف من السنين، والمهم فوق هذا كله الإصرار على استمرارية هذه المدنية واستدامتها، وهذا الاصرار يبدو أنه محط اهتمام قيادة الإمارات وسعيها من دون أي توان أو تراخ، والمثال على ذلك ما نراه من السير الحثيث نحو كل ما هو جديد .
في كتاب الأستاذ الخيون، غرس طيب الأكل، عن أبوظبي والتعريف بها، بعبارات يستشف القارئ منها وداً خاصاً ومحبّة، ومن حق رشيد الخيون وغيره ممن يفد إلى هذا البلد ويحبه ويهفو إليه إذا ابتعد عنه، أن ينال وداً مثل وده ومحبة مثل محبته وأن يجتهد الإماراتيون على الدوام في التعامل الحضاري بينهم وبين الآخرين بالشكل الذي يعكس هذه الصورة الجميلة، التي رسمها، كتاب، "أبوظبي تصالح العقل والثروة" .
[email protected]


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"