قمة بوتين وكيم.. رسالة إلى واشنطن

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في القمة التي جمعتهما قبل أيام في مدينة فلاديفوستوك الساحلية الروسية، خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضيفه الكوري الشمالي كيم جونج أون قائلاً: إنني واثق من أن زيارتك إلى روسيا ستعطينا صورة واضحة عن الوضع في شبه الجزيرة الكورية، كما ستساعدنا في معرفة ما يمكننا فعله لدعم المحادثات الإيجابية الجارية حالياً بين الكوريتين. وبتركيزه على العلاقة بين شطري كوريا، فقد تجاهل الرئيس بوتين المحادثات المتعثرة ولكن المهمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، والتي كانت آخر محطاتها في هانوي في نهاية فبراير (شباط) الماضي. وهي المحادثات التي مُنيت بالفشل، وذلك لعدم اتفاق الجانبين على طبيعة الخطوات المتزامنة بينهما لبناء الثقة وردم الفجوات..
ولعله ليس من المبالغة، القول إن قمة بوتين وكيم، قد استندت في جانب أساسي منها إلى ذلك الإخفاق، وذلك في خطوة أريد بها تذكير واشنطن بأن لبيونج يانج، شركاء على الساحة الدولية، وأن أمر السلام في كوريا وفي آسيا عموماً، ليس منوطاً بتقديرات أو مصالح طرف دولي واحد. وتؤيد موسكو نزع السلاح النووي لدى كوريا الشمالية، ولكنها تربطه بمراجعة وضع القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية، ووقف المناورات العسكرية بين سيؤول وواشنطن، وبالطبع رفع العقوبات الاقتصادية عن بيونج يانج بالتزامن مع تخلي الأخيرة عن المنشآت النووية، وهي مواقف تقترب من مواقف كوريا الشمالية في مباحثاتها مع الولايات المتحدة.
ورغم العلاقات الوثيقة بين موسكو وبيونج يانج، إلا أن القمة الأخيرة التي جمعتهما، كانت القمة الأولى بين زعيمي البلدين. فقد تفادت موسكو على الدوام، الظهور بمظهر الحليف أو الشريك مع بيونج يانج، واكتفت بمظاهر صداقة مع الدولة الآسيوية التي تواجه عقوبات أمريكية وغربية، وتعاني قدراً كبيراً من العزلة على الساحة الدولية.
وقد كان الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، أكثر وضوحاً في تبيان الموقف الروسي حيال الأزمة الكورية، إذ عقّب على قمة بوتين وكيم بالقول: إن الكرملين يعتقد أن المحادثات السداسية بشأن كوريا الشمالية، والمتوقفة حالياً، هي الطريقة الوحيدة الفعالة لمعالجة التسلح النووي في شبه الجزيرة الكورية». وذلك في إشارة إلى أن التقارب الأمريكي الكوري الشمالي وعقد قمم دورية بين ترامب وكيم، ليس هو الطريقة الفضلى لنزع التوتر وشق الطريق إلى السلام. والأطراف الستة الذين أشار اليهم المتحدث الرئاسي الروسي هم: الكوريتان، وروسيا والصين والولايات المتحدة واليابان، وقد بدأت هذه الأطراف مباحثات في ما بينها منذ العام 2003، إلا أنها توقفت في العام 2007 بعد ست جولات آخرها كانت على مرحلتين. وقد دأبت موسكو على الدعوة لإحياء هذه المباحثات التي تضم أطرافاً ذات تماس مع الأزمة، وها هي هذه الدعوة تتجدد بمناسبة قمة بوتين - كيم، وذلك بعد 12 عاماً على توقف تلك المحادثات السداسية والتي كانت تضم محوراً متجانساً يشمل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، مقابل محور آخر متجانس بدوره ويشمل الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
وقد بلغ الأمر بالمتحدث الرئاسي بيسكوف في معرض تحبيذه للمباحثات السداسية أن قال: «لا توجد آليات دولية فعالة أخرى في الوقت الحالي». وذلك في تقليل لأهمية القمم بين ترامب وكيم واعتبارها غير فعالة. وبهذا فقد مثلت هذه القمة فرصة للزعامة الروسية للتأشير على حضورها في القضايا الإقليمية والدولية، وعلى نزع الهالة عن دور القوة العظمى الأمريكية، وقد أرسلت موسكو عبر هذه القمة رسائل قوية ومباشرة إلى واشنطن بشأن النفوذ والأدوار في عالمنا، بأكثر مما بث الرئيس الكوري الشمالي من رسائل، رغم أن الأزمة الكورية كانت هي الموضوع الرئيسي على مائدة المباحثات.
ومن بين الرسائل الروسية إلى واشنطن أن حل أزمة كوريا الشمالية ليس بيد الولايات المتحدة، إلا باعتبارها دولة من بين ست دول معنية بالأزمة، وأن القمة بين بوتين وكيم ولئن كانت الأولى بينهما - فقد لا تكون الأخيرة- في وقت توقفت فيه القمم بين ترامب وكيم، وبات المسؤولون في بيونج يانج يطالبون واشنطن بإقصاء وزير الخارجية مايك بومبيو عن الملف الكوري، بعد ان حمّلوه مسؤولية إخفاق القمة الأخيرة في فيتنام. وهو مطلب يعيد الأجواء المتوترة بين الجانبين. أما موسكو فإنها لا يؤرقها فشل قمم ترامب وكيم، بل ترى فيها فرصة ذهبية ل«تحجيم» الولايات المتحدة، وتذكيرها بأن لها أنداداً في عالمنا.
وكما هو الأمر حيال الملف الكوري، فإن موسكو تدعو واشنطن ضمنياً إلى وقف سياسة الانفراد بمعالجة القضايا الدولية الحساسة، وتفتح بذلك الباب أمام واشنطن ل«مساومات» جدّية حول العديد من القضايا، شريطة أخذ المصالح والهواجس الروسية في الاعتبار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"