كوريا بين النموذجين الإيراني والليبي

04:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

بينما تشخص الأبصار صوب سنغافورة حيث تعقد غداً القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونج اون، تتأرجح التكهنات والأمنيات والمخاوف بشأن النتائج المحتملة، ما بين الفشل الكامل والمدوي، إلى النجاح التاريخي الباهر بالتوصل إلى اتفاق، وكلاهما يبدو احتمالاً مستبعداً.
لكي يعقد لقاء على هذا المستوى لابد أن يكون هناك حد أدنى من الاتفاق الذي مهد له وجعله ممكناً، وإلا ما تكبد الزعيمان مشقة السفر، وخاطرا بالمشاركة في مؤتمر لم يسبقه إعداد جيد، وربما يؤدي فشله إلى عواقب أسوأ بكثير من تبعات عدم انعقاده.
ومادام ترامب قد تراجع عن قراره السابق بإلغاء القمة فلابد أن هناك عقبات مهمة قد تبددت. وهذا في حد ذاته مؤشر يدعو للتفاؤل ولكنه يبقى تفاؤلاً حذراً بالنظر إلى الثمن الباهظ الذي تريده واشنطن من يونج يانج.
المطلب الأمريكي الأول هو تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية. ومن غير المستبعد أن يتمادى ترامب بطرح مطالب أخرى ولو على سبيل المساومة مثل وقف التجارب الصاروخية، والحد من تطوير الصواريخ البالستية التي يمكنها الوصول إلى الأراضي الأمريكية.
في مقابل هذه التنازلات الفادحة المطلوبة من «كيم» ستقدم له واشنطن وعوداً بحزمة مساعدات اقتصادية سخية واستثمارات ضخمة مع دمج بلاده في المجتمع الدولي. وبالطبع التعهد بعدم محاولة الإطاحة به.
توضح هذه المطالب المؤلمة وتلك العروض السخية، إلى أي حد ستكون المباحثات شاقة ومطولة بين الجانبين. ولذلك فإن القراءة الواقعية للموقف تؤكد صعوبة، إن لم يكن استحالة التوصل إلى اتفاق شامل في هذا اللقاء العابر. أقصى ما يطمح إليه المتفائلون هو أن تكون القمة خطوة على طريق إذابة الجليد المتراكم بين واشنطن وبيونج يانج، وأن تصبح الافتتاح الرسمي الصاخب لماراثون مفاوضات شاقة ربما تستمر سنوات إلى أن تنتهي إلى الاتفاق المنشود.
غاية ما يمكن أن تسفر عنه القمة هو إعلان مبادئ أو اتفاق تفاهم يتم البناء عليه فيما بعد. وهنا يطرح الخبراء السياسيون نموذجين شهيرين لاتفاقات مماثلة هما النموذجان الليبي والإيراني. الأول أشار إليه علناً ترامب نفسه بالإضافة لنائبه ومستشاره للأمن القومي واستقبلت كوريا الشمالية حديثهم بغضب عارم. المقصود بهذا النموذج هو الاتفاق الغربي مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عام 2003 لنزع أسلحة الدمار الشامل مقابل رفع العقوبات وإنهاء الحصار الدولي. ما يغضب الكوريين عند التلويح بهذا النموذج هو أن الغرب انقض على القذافي بعد ثماني سنوات وساهم في الإطاحة به.
مثل هذا السيناريو مستبعد تماماً في الحالة الكورية لاختلافات جوهرية أهمها أن القذافي ماكان لديه أسلحة نووية قط، ولم يمتلك منظومة صواريخ قادرة على تهديد أعدائه في الخارج، خلافا لكوريا، والتي لديها أيضا القدرة التي افتقدها القذافي على تحمل العقوبات والحصار بفضل الرفيق الصيني الوفي، بينما لم يكن للقذافي أصدقاء حقيقيون بالخارج. ثم إن تعرض كوريا لضربات عسكرية ليس مطروحاً ولا يسيراً.
لذلك يبدو النموذج الإيراني هو الأقرب لتسوية الأزمة الكورية. بمعنى أن يبدأ الطرفان رحلة مفاوضات شاقة للتوصل إلى اتفاق كما حدث مع إيران عام 2015. ويرى كارل موللر الخبير في مؤسسة راند البحثية الشهيرة أن إيران خلافاً لليبيا كانت على الطريق لامتلاك أسلحة نووية. وهي مثل كوريا الشمالية لديها مبرر قوي للاعتقاد بأن هذه الأسلحة ستحميها من عدوان الغرب المتربص بها.
بناء على هذا لن يقبل الكوريون التخلي عن ترسانتهم النووية إلا مقابل ضمانات ومكاسب ضخمة. هذا إذا كانت لديهم من الأصل النية للتضحية بها. وربما يقترحون أن تقبلهم واشنطن عضواً بالنادي النووي اعترافاً بالأمر الواقع، وكما قبلت باكستان والهند من قبل. أما التوقع بأن يقدموا تنازلات فورية وكاملة فهو انتحار سياسي غير متصور، والاعتقاد بحدوثه من وجهة نظر موللر هو السذاجة بعينها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"