كيري وملفات الشرق الأوسط

03:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

يتزامن تعيين السيناتور جون كيري على رأس الدبلوماسية الأمريكية، مع بداية العهدة الثانية للرئيس باراك أوباما الذي يسعى إلى إعطاء نفس جديد للسياسة الخارجية الأمريكية التي أبدت تعثراً واضحاً في تعاملها مع الكثير من الملفات الدولية والإقليمية الساخنة؛ ويبدو أن النواب الأمريكيين مقتنعون إلى حد كبير بالخبرة الواسعة التي يتمتع بها كيري في ما يتعلق بقضايا وشؤون السياسة الدولية، لذلك فقد صوّت لمصلحته 94 نائباً في مقابل 3 نواب فقط عبروا عن اعتراضهم على هذا التعيين .

ويجمع المراقبون على أن الملفين السوري والفلسطيني سيتصدران قائمة اهتمامات كيري، نظراً إلى طابعهما المعقد من جهة، وبسبب تأثيرهما في الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط برمتها من جهة أخرى؛ فالوضع في سوريا وصل إلى مرحلة بالغة الدقة وأضحى الحل السياسي يتطلب ما يشبه المعجزة، نظراً إلى تصلب مواقف مختلف القوى الإقليمية والدولية، كما أن اللقاءات السابقة التي جمعت رئيس الدبلوماسية الأمريكي بالرئيس السوري، لا يمكنها أن تستثمر في المرحلة الراهنة، في سياق أي تسوية ممكنة، لأن الأوضاع في هذا البلد العربي، وصلت إلى مرحلة اللاعودة . أما بالنسبة إلى الملف الفلسطيني، فإن كيري لن يكون أكثر حظاً من زميلته هيلاري كلينتون، لأن النخب السياسية الإسرائيلية لا تخصص إلا هامشاً ضئيلاً لمسألة المفاوضات مع الفلسطينيين، وتهتم بشكل أكبر بمتابعة تطورات المشهد العربي خاصة على مستوى الساحتين السورية والمصرية، وفضلاً عن ذلك فإن هذه النخب تتجه مع مرور الوقت نحو مزيد من التطرّف، حتى إن الحديث عن السلام لدى قادتها وزعمائها هو أشبه ما يكون بالنكتة السمجة .

من الواضح في هذا السياق أن المنصب السابق لكيري على رأس لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ منذ ،2008 قد سمح له بالاطلاع عن كثب على الكثير من الملفات الدولية الساخنة، لاسيما من خلال الزيارات التي قادته إلى أفغانستان وباكستان ومصر وإسرائيل وغزة، إضافة إلى سوريا، كما أن معرفته الدقيقة بقضايا السياسة الدولية، وانتماءه إلى أسرة ذات تكوين دبلوماسي من جهة والده، سيكون لهما دور يصعب إنكاره في توجيه عقارب السياسة الخارجية الأمريكية . ويرى المتابعون لمسار حياته أن تمسكه بالسلام ورفضه السابق للحرب الأمريكية في فيتنام، سيدفع الإدارة الأمريكية إلى تغليب الخيار الدبلوماسي على الحل العسكري في ما يخص معالجة الملف النووي الإيراني .

ومن المنتظر من ناحية أخرى أن تكون لجون كيري مقاربة أكثر وضوحاً بالنسبة إلى بعض الملفات الإفريقية الساخنة، وتحديداً في منطقة الساحل، وتذهب بعض الأوساط الفرنسية إلى أن موقفه سيكون أكثر دعماً للرؤية الفرنسية، من منطلق صلاته القوية بالفرنسيين وهو الأمر الذي عابه عليه خصومه من الجمهوريين في أثناء ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة ،2004 لاسيما بعد رفض فرنسا تقديم أي دعم لأمريكا في حربها ضد العراق .

ويمكن القول في سياق متصل بالشؤون العربية، إن علاقات واشنطن بالعواصم الشرق أوسطية الكبيرة لن تشهد في المرحلة المقبلة تغيّرات حاسمة، بل إن هناك الكثير من الكتاب المصريين المحسوبين على التيار الوطني - الليبرالي، الذين يرون أن كيري سيكون أكثر دعماً للحكومة المصرية الحالية بزعامة الرئيس محمد مرسي، من منطلق أن كيري كان قد صرح في حديث جمعه مع بعض المثقفين المصريين بمقر السفارة الأمريكية في القاهرة، أن الإخوان المسلمين يمتلكون خبرة سياسية كبيرة تمتد لأكثر من 80 سنة . ويذهب بعض المحللين السياسيين إلى الاستنتاج أن افتقاد كيري الحزم السياسي سيدفعه إلى تسيير الأزمات دون حلها، وسيلجأ من دون شك إلى تذويب الكثير منها إلى الحد الذي يجعلها لزجة يصعب إعادة الإمساك بها، فالإدارة الأمريكية في حاجة- وفق ما يتوافر لدينا من معطيات - إلى إعطاء مزيد من الوقت للوقت، حتى تتضح كل ملامح وتفاصيل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"