لا أصدقاء للعرب

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . عبدالعزيز المقالح
تلك حقيقة موضوعية لا تقبل الشك أو الجدل . وكان على الأنظمة العربية أن تعيها منذ وقت مبكر وأن تدرك أن مواقف الدول الكبيرة تقف عند مصالحها، وأن المصالح لا المبادئ هي التي تتحكم في العلاقات الدولية . ولو أن الأنظمة العربية كانت قد وعت هذا المعنى لما خسرت الكثير وضحت بالكثير من أجل علاقات متغيرة ومواقف لا تعرف الثبات والدوام، وأخشى أن ينطبق علينا نحن العرب في واقعنا الراهن المثل العربي القديم "في الصيف ضيعت اللبن" وكأن المثل يليق بنا الآن وبمواقفنا الارتجالية والمسترخية تجاه الآخرين الذين أوهمونا لسنوات أنهم أصدقاؤنا وأحياناً شركاؤنا وهم ليسوا كذلك على الإطلاق . فقد كانت صداقتهم معنا ومثلها شراكتهم قائمة على المصالح الآنية وحين يجدون هذه المصالح في مكان آخر فإنهم لن يترددوا لحظة واحدة في أن يضربوا بصداقتنا في عرض أول حائط، وهذا ما بدا يلوح في الأفق منذ فترة قصيرة، وسوف تتضح الصور أكثر فأكثر في الأيام القادمة عندما ينزع الصديق اللدود آخر الأقنعة .
لقد أضاع العرب لبنهم أو بالأحرى بترولهم في صيف قديم، وبما أن أرضهم الكريمة لا تزال غنية بهذا النوع الثمين من اللبن فإن في مقدورهم أن يكونوا أصدقاء أنفسهم وأن يأخذوا بنصيحة شاعرهم العظيم أبي الطيب المتنبي:
وكِلتُ للخل كما كال لي
                         على وفاءِ الكيل أو بخسهِ
لا يزال في الوقت بقية لاتخاذ المواقف التي ترد الصاع صاعين وتتناسب مع المتغيرات وتحتفظ للعرب بما تبقى لهم من كرامتهم ومن مكانتهم الدولية، ومن مكانتهم في أقطارهم أيضاً، ولن نتذكر في هذه اللحظة العصيبة أحداثاً افتقد العرب فيها رشدهم وتماهوا تحت وطأة الصداقة المفتعلة وتناسوا ثوابتهم الوطنية والقومية . لن نتذكر تلك المواقف والحكمة تدفعنا إلى أن ننسى الماضي القريب ونبدأ الاتجاه صوب المستقبل مستفيدين من الدروس القاسية التي مرت بنا وكنا - من دون أن ندري طرفاً فاعلاً فيها- ومن حق الأمة العظيمة التي ننتمي إليها والمقدسات الكبيرة التي نؤمن بها أن نصحح الأخطاء ونستمد قوتنا من بعضنا، فنحن نتيجة للدور الذي لعبه أصدقاؤنا المزيفون نتجاهل قوتنا الحقيقية ونشكك في قدرة هذه القوة على الصمود في وجه اعتى قوة في العالم، كما نتجاهل إمكاناتنا المادية وموقعنا الجغرافي وما تعرضنا له من مظالم تجعلنا -لو أحسنا التصرف في قادم الأيام- أهم قوة في هذا العالم المتناقض والمتقلب والقائم على المصالح الآنية .
لقد نجح الأعداء في أن يحجبوا قوة العرب، وساعدهم في ذلك الخلافات التي احتدت بين بعض الأنظمة العربية وما أدت إليه من تقاطع وخصومات، لكن التجارب التي شهدتها هذه المعمورة تؤكد أن شعوباً كثيرة تعرضت لخلافات حادة، ولانكسارات ولضعف يطول زمنه أو يقصر إلا أنها لم تمت بل قاومت وأشتد ساعدها وخرجت من فترة الضعف والانكسار فأذهلت العالم وذلك ما تنتظره البشرية من الأمة العربية، وما ينتظره العرب أنفسهم من العرب في وثبتهم الجديدة بعد كل ما جربوه وعانوه وخضعوا له من تآمر وضغوط، وأبرز علامات المعافاة أنهم أدركوا ولو في وقت متأخر أن عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم . وعلى أنفسهم فقط .
وهنا يأتي سؤال اللحظة الراهنة وهو: هل ما يحدث في مناطق كثيرة من الوطن العربي من صراعات دموية ومنازعات سياسية في منأى عن أصابع الأصدقاء؟ وأظن أن الإجابة على سؤال كهذا معروفة سلفاً، وأن بصمات الفوضى الخلاقة واضحة في كل ما يحدث، وأن التنبه لهذه الأصابع قد يؤدي إلى وضع حل عاجل للصراعات التي بدأت تأكل الأخضر واليابس وتفتح هوة لا يمكن ردمها في العلاقات القائمة بين أبناء الأمة الواحدة وهو ما هدفت إليه القوى المعادية لأحلام هذه الأمة وما يريده لها أصدقاؤها المزيفون الذين يعتقدون أنه آن الأوان للإجهاز على ما تبقى منها وهيهات، هيهات أن يكون لهم ذلك .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"