لبنان.. أزمة سياسية عاصفة

04:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

الأزمة الحكومية في طريقها للتحول إلى أزمة سياسية عامة وشديدة، إذا لم تنجح القوى الفاعلة والأساسية في وضع خطوط عريضة لتفاهمٍ بينها يمثل خريطة طريق إنقاذية.
يعيش لبنان الشقيق في هذه الأيام في مناخ من الاحتجاجات الشعبية والأزمة الحكومية، ومن تعدد خطابات أهل الحكم والفاعلين السياسيين. ورغم أن لبنان شهد أزمات مماثلة في بحر العقد الأخير، في مواجهة حكومة الراحل عمر كرامي وحكومة فؤاد السنيورة، إلا أن الأزمة الحالية تتميز بوقوعها في ظروف يعاني فيها لبنان تحدياتٍ جسيمة اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، من دون فصلها عن البيئة السياسية. فعلى مدار الأسابيع الماضية سادت موجة من التشاؤم حيال الوضع الاقتصادي، ازدهرت معها السوق السوداء وسط أقاويل عن وضع العملة الوطنية. وقد توّجت هذه الموجة باشتعال جملة من الحرائق في أنحاء مختلفة من هذا البلد، مع ارتفاع درجة الحرارة فيه، وبدت قدرات الدولة ضعيفة في مواجهة هذا الخطر؛ حيث تمت الاستعانة بدول في الجوار؛ لتطويق هذه الكارثة.
وفي وقت لم تنجلِ فيه تماماً صورة هذا الوضع، فقد عمد مجلس الوزراء إلى وضع رسوم على استخدام الإنترنت للمكالمات الصوتية. وكان هذا القرار بمنزلة شرارة ثارت بعدها موجة من الاحتجاجات العنيفة منذ يوم الخميس الماضي، شملت العاصمة بيروت وأنحاء مختلفة من «لبنان الأخضر»، مع إطلاق عدد من السياسيين تصريحات تؤيد الاحتجاجات، ومع وصول بعض هؤلاء إلى القصر الجمهوري، حيث استقبل الرئيس ميشال عون وفداً منهم، ومع إشعال إطارات السيارات ورفع سقف المطالب التي طالت الطبقة السياسية كلها في هذا البلد، ومع تجاوز الانقسامات الطائفية والمناطقية، ولم يسهم تراجع الحكومة عن وضع الرسوم الجديدة في تهدئة المحتجين.
وقد انتقلت الأزمة إلى طور جديد مع خطاب ألقاه رئيس الحكومة سعد الحريري يوم الجمعة 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، دعا فيها «الشركاء في الوطن» للمشاركة في وضع حلول خلال 72 ساعة. والمقصود هم الشركاء في الحكومة وفي مجلس النواب. وتأتي دعوة الحريري هذه لتطويق الدعوات إلى حصر المسؤولية عن المأزق الجديد بشخصه وموقعه. وفي اليوم نفسه كان ثلاثة رؤساء حكومة سابقين قد أيّدوا الاحتجاجات، وحذروا من تحميل المسؤولية عنها إلى رئيس الحكومة الحالي، بمعزل عن بقية مكونات الحكم.
هكذا أخذت الأزمة تتدحرج بسرعة من ساعة إلى ساعة، ومن الواضح أن خطاب الحريري يشي بالاستعداد إلى الاستقالة، في حال لم تتشارك مكونات الحكم التي تشمل التيار الوطني الحر، وحزب الله وحركة أمل والقوات اللبنانية وغيرهم، في وضع حلول تلبي مطالب المحتجين، وذلك رغم الصعوبة التي تكتنف هذا الأمر. ومؤدى ذلك أن الأزمة الحكومية في طريقها للتحول إلى أزمة سياسية عامة وشديدة، إذا لم تنجح القوى الفاعلة والأساسية في وضع خطوط عريضة لتفاهم بينها يمثل خريطة طريق إنقاذية. والخشية أن تتغلب الحسابات الفئوية للفرقاء في سائر مواقعهم، على الاعتبارات الوطنية العامة. فهناك كما في كل أزمة كبيرة قطاعات عريضة من المتضررين، وهناك فئات محدودة ممن ينزعون إلى الاستثمار في الأزمة لتحقيق أهداف خاصة آنية وبعيدة المدى. مما قد يقود السيناريو المتوقع إلى استقالة الحكومة، ونشوء حالة من الفراغ، لن يكون من المتيسر ملؤها في هذه الظروف الحساسة إلا بعملية سياسية جراحية من قبيل الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، تفرز مجلساً تشريعياً جديداً، وحكومة أخرى تخلف الحكومة المقبلة.
ويبقى أنه حتى لو نجحت الحكومة ومكونات الحكم في مواجهة التحدي والاستمرار، فإن عوامل الأزمة تبقى على حالها والمتمثلة أساساً في الظروف الاقتصادية الضاغطة والضائقة المعيشية التي تقذف بآلاف الأسر إلى خط الفقر أو ما هو دونه. وبهذا فإنه من المقدّر سواء استقالت حكومة الحريري أم لا، أن يبقى البلد تحت ضغط حالة من التوتر العالي. ومن يعرف المعادلات الطائفية والمناطقية في هذا البلد فإنه يدرك أن فرض حالة من الطوارئ لن يوفر حلاً ناجعاً. علماً أن أجواء المحتجين تتحدث عن تصعيد يتجه إلى عصيان مدني كأحد الخيارات.
وفي هذا الوقت يواجه البلد ارتفاعاً متزايداً في الدين العام ينيف على 80 مليار دولار، وفي العجز الحكومي الذي يفوق الناتج العام، مع تراجع في تدفق حركة السياحة، وبرغم المساعدات والمنح التي يتم تلقيها من مؤسسات دولية، مما يضع النظام اللبناني بالفعل أمام أزمة بنيوية أو أزمة هيكلية لا سابق لها، ويفاقم من ذلك التوتر الذي ما انفك الإقليم يشهده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"