لعبة الكر والفر بين إيران والغرب

04:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

حملت الأيام الأخيرة مواقف متناقضة تتعلق بالملف النووي الإيراني. الموقف الأول عندما اعترفت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بأن مسألة تعزيز العقوبات على إيران لم تحن بعد، وأن الوقت لا يزال للعمل الدبلوماسي. فالولايات المتحدة وعبر وزيرة خارجيتها اكدت التزامها باستراتيجية المسارين تجاه إيران، أي الدبلوماسية والعقوبات. وهذا يدل على رغبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تأجيل الخيار العسكري حتى آخر مرحلة لتمكين الحل الدبلوماسي بما يقلل احتمال الحرب وويلاتها المدمرة على المنطقة والعالم. هذا الوعد الأمريكي لم يكن مجانياً، فهو ارتبط بموافقة إيران على صفقة اليورانيوم المخصب في الخارج وفق اقتراح محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي جاء على خلفية اجتماع إيران مع مجموعة دول 5+1.

الموقف الثاني الذي كان مفاجئاً للعالم أولاً والإيرانيين ثانياً، عندما أعلنت روسيا بصورة غير رسمية تجميد صفقة مد إيران بصواريخ إس-300 لأسباب سياسية، رغم توقيع البلدين العقدين قبل سنوات. روسيا أعلنت من جانبها ان العقد رهن بالظروف السياسية ولم يعد مجرد صفقة تجارية. ولكن الأمر برمته يصب فى صالح أمريكا وإسرائيل والغرب، لأن الغاء الصفقة يحرم إيران من ميزة اساسية ويضرها ضررا بالغا، خاصة اذا علمنا ان صواريخ إس-300 كانت ستوفر نظام انذار مبكر فى الاجواء الإيرانية ضد أي هجمات محتملة من طائرات معادية.

موقف روسيا من صفقة الصواريخ وغيره من المواقف جعل إيران دولة تعيش فى حالة من الشك الدائم، شك من الغير واقتراحاتهم، خاصة إذا كانت هذه المقترحات تتعلق بملفها النووي. هذا الشك بلغ حد اتهام الغرب بالخداع، مثلما ورد على لسان علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني، وهو نفسه الذي سبق وشغل منصب مسؤول الملف النووي. مبعث الشك والاتهام هو اقتراح الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتزويد إيران بالوقود النووي من أجل مفاعل الأبحاث فى طهران، مقابل نقل اليورانيوم المخصب الى روسيا، وهو ما جعل إيران تتحفظ على الاقتراح بعد أن سبق ووافقت عليه مبدئياً باعتباره مخرجاً لأزمة ملفها النووي مع الغرب.

اتهام لاريجاني ليس فى محله، خاصة اذا علمنا ان الرئيس الإيراني احمدي نجاد هو الذي سبق الجميع بطرح هذا الاقتراح فى أواخر سبتمبر/ ايلول الماضي، والذي يقضي بارسال جزء من اليورانيوم الإيراني للخارج لزيادة تخصيبه لدرجة تسمح باستخدامه كوقود نووي ثم إرساله مرة أخرى لإيران للاستخدام فى مفاعل الأبحاث لديها.

مشكلة الاقتراح الغربي الذي ايدته الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، انه يصعّب من مهمة الرئيس الإيراني فى الداخل، وتحديدا فى مخاطبة المؤسسة الحاكمة فى بلاده، فتلك المؤسسة بمتشدديها ومحافظيها تريد مقابل موافقة إيران على الصفقة، رفعاً فورياً للعقوبات يتزامن مع ارسال طهران مخزونها من اليورانيوم. وهنا تتزايد مشاكل نجاد لأنه هو الذي اقترح هذا الطرح كما اسلفنا، وبالتالي، فإنه هو الذي سيتحمل تبعاته السلبية في حال أي تخاذل أو تراجع غربي عن اتمام الوعد. وهو ايضا الذي سيواجه المحافظين بمفرده، ولذا، فقد كان لاريجاني هو ضالته المنشودة والذي ادى دوره على اكمل وجه، وزاد في اتهام الغرب بأنه يريد ان يستولي ويضع يده على اليورانيوم الإيراني المخصب.

وقد خرجت من إيران أصوات أخرى تدعو الى عدم اتمام الصفقة، بأن تشتري طهران مباشرة وقوداً مخصباً بنسبة 20% على ان تحافظ على مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3،5%، لأن البلاد بحاجة خاصة اليه لتشغيل منشآت نووية فى عدة مدن لتشغيل الكهرباء.

إن إيران ترى جملة من العوامل ستقف ضد طموحاتها اذا وافقت على صفقة البرادعي، ومنها:

ان الصفقة ستقف حائلا امام طموحاتها بتخصيب اليورانيوم من 3،5% الى 20% فى معاملها وسيحرمها من تحقيق انجاز علمي ونووي كبير، وبالتالي سيحرمها أيضاً من الوصول الى مرحلة التخصيب بنسبة 90% وهى اللازمة لانتاج القنابل النووية.

ان الصفقة كانت ستمنحها الحصول على وقود عالي التخصيب بنسبة 20% على شكل قضبان نووية لا تتوفر لإيران التكنولوجيا العلمية اللازمة لفصل البلوتونيوم من هذه القضبان لاستخدامها فى صنع السلاح النووي.

المشكلة في هذا الملف الصعب ان الوقت يمر والرئيس الأمريكي ورغم استراتيجية المسارين الدبلوماسي والعقوبات المعلنة، يتعرض لضغوط من الكونجرس الأمريكي الذي يطالبه بتقديم تقرير بحلول آخر يناير/ كانون الثاني المقبل حول سير العملية الدبلوماسية. ويتوقع أن يقرر الكونجرس بمفرده تشديد العقوبات على إيران إذا لم تقبل عرض الولايات المتحدة بالانخراط في محادثات مع المجتمع الدولي ومجموعة (6+1). وبالاضافة الى مهلة الكونجرس للرئيس الامريكي، واجه وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس مهلة هو الاخر بضرورة رفعه تقريراً سنوياً الى الكونجرس حول الاستراتيجية العسكرية الحالية والمستقبلية لمواجهة الملف النووي الإيراني.

كاتب بحريني

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"