ليبيا أمام مخاطر التفكك

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

فيما يحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، المجموعات المسلحة في هذا البلد من استمرار خرق قرار سابق بإطلاق النار، فإن المجلس الرئاسي الحاكم نظرياً يدعو البعثة الأممية والمجتمع الدولي لاتخاذ موقف حازم إزاء التصعيد في العاصمة طرابلس بين جماعات مسلحة مؤيدة للمجلس الرئاسي وأخرى مناوئة له. الاشتباكات بين هذه المجموعات اندلعت منذ 26 أغسطس الماضي وأدت إلى مقتل نحو 90 مدنياً مع إصابة عدد أكبر بجراح، فيما أصبحت العاصمة مقسمة بين هذه المجموعات. وتتحدث مفوضية شؤون اللاجئين السامية عن 3845 عائلة نزحت من بيوتها في طرابلس على إثر الاشتباكات بما يجعل المدينة شبه مهجورة.
ولوحظ أن المبعوث الأممي اختار البقاء في طرابلس بدلاً من التوجه إلى الأمم المتحدة التي تعقد دورة اجتماعاتها السنوية في سبتمبر من كل عام، وقد دوّن سلامة «تغريدة» حول هذا الإجراء كتب فيها فجر السبت 22 سبتمبر: «أتغيب للمرة الأولى منذ نحو عقدين ونيف، مع بعض من حنين، عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومهرجانها المثقل بالتشاور مع الزملاء وبلقاء الأصدقاء. إنما معايشة أهل العاصمة الليبية في محنتهم الراهنة، والسعي الحثيث لدرء الفتنة ووقف النار ولمّ الشمل واجب لا يفوقه اليوم (واجب) آخر».
وكانت الآمال معقودة قبل أسابيع فقط على وقف إطلاق نار شامل، والتهيئة لانتخابات تشريعية ورئاسية، إذ ما زالت المؤسسات الليبية تعمل منذ العام 2012 بصفة انتقالية، غير أن التشرذم المتمادي يحول دون وقف إطلاق النار وسيطرة الدولة على المؤسسات الحكومية وعلى الموارد الوطنية. وتواجه بعثة الأمم المتحدة صعوبات جمة مع تنصل جماعات مسلحة وسياسية من التزاماتها، ومع العلاقات والصراعات المتشابكة بينها، وافتقاد إدارة مركزية تخضع لها التشكيلات الأمنية، فيما تتحدث أوساط متعددة عن تنافس بين أطراف دولية، غربية في الأساس لبسط النفوذ والفوز بعقود مستقبلاً في هذا البلد الذي انفرطت سبحته، واختفى الخيط المتين الذي يمكن أن يجمع ما انفرط.
وتبدو الصورة على درجة من التعقيد مع ملاحظة أن بعض المجموعات المسلحة كانت في الأصل ضمن القوة النظامية المسلحة وتحولت إلى تشكيلات شبه مستقلة، إما بسبب قرارات اتخذت بحقها، أو نتيجة الطموح إلى لعب دور سياسي. كما هو حال «اللواء السابع»، فيما تحمل تشكيلات مقابلة اسم كتائب وثوار تدافع عن الوجود الرسمي لهياكل الدولة. بينما تغيب بعض التشكيلات الرسمية عن أداء دورها لأسباب تتعلق مثلاً بعدم دفع الرواتب لأفرادها!. وعلى هذا النحو فإن الفوضى تبقى تفعل فعلها، وتسمح للطامحين أو المعترضين بأن يأخذوا القانون بأيديهم. ولم يعد الأمر يقتصر على جماعات طامحة للوصول إلى السلطة رغم أن هذه الجماعات ما زالت موجودة، وتشكل خطراً على النظام العام.
ويضاف إلى ما سبق بروز جماعات مسلحة تتشكل على أسس جهوية أو قبلية، ولا تعدم مصادر التسلح، وتقيم ما شاءت من تحالفات مع جماعات أخرى، أو تطلق صراعاً مع مجموعات بعينها، والضحية هو الشعب المهدد بأمنه وأرزاقه، وبحقه في حياة آمنة وكريمة وبتطلعاته لأن يستعيد وطنه مكانته وازدهاره.
على هذا النحو يبدو الأفق السياسي في بلد عمر المختار، شبه مسدود في هذه الآونة، فالبلاد مقسمة عملياً بين أمراء الحرب وأصحاب النفوذ، ومن مصلحة هؤلاء بصورة من الصور، استمرار الفوضى واستشرائها ما دامت تضمن مصالحهم، وهو ما يجعل البعثة الأممية تطلق التحذيرات بأن المجموعات المسلحة التي ترفض الالتزام بوقف إطلاق النار ستجد نفسها عرضة لتوقيع عقوبات عليها من المنظمة الدولية. لكن ثقافة إدارة الظهر للعالم الموروثة من عهد القذافي، والاعتقاد بأن الأمم المتحدة لا تملك مدافع أو دبابات، يجعل المتقاتلين في أنظار أنفسهم في حِلٍّ من التقيد بالتزامات تفرض من الخارج، والمضي في قطف مكاسب آنيّة مختلفة من بينها: الضغط على مؤسسات مالية لمحاولة مصادرة القرارات فيها، أو القيام بتهريب النفط أو تقاضي إتاوات على نقله، إلى غير ذلك من عمليات تفكك البلاد وتزيد من تفككها، ولدرجة تبدو معها عملية إعادة توحيد البلاد مهددة لمصالح البعض، مع النفخ في الحقوق الجهوية والفئوية لاجتذاب مؤيدين ومستفيدين، بما يجعل التفكك أمراً واقعاً يستجيب لمصالح كثيرين، لكنه يطعن في مصلحة أكثرية الليبيين في استعادة وحدة البلاد وإحياء المؤسسات والسهر على حمايتها، ووضع الثروة الوطنية والموارد كافة في خدمة التنمية والتطوير العام وضمان سيادة البلاد واستقلالها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"