ليبيا والخارج الإقليمي والأجنبي

04:29 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبد العزيز المقالح

لم يعد هناك أدنى شك في أن الخارج الإقليمي والأجنبي هو السبب في المشكلات التي تعانيها بعض الأقطار العربية. وسيتركز حديثنا في هذه الزاوية على ما يحدث في القطر العربي الليبي من تفكك واقتتال، وقراءة عابرة لمشكلات هذا القطر تؤكد بوضوح تام دور التدخل وانحياز كل طرف خارجي إلى أحد الأطراف الداخلية التي تعددت تطلعاتها وأهدافها.
وإذا ما استمر ذلك الحال، فإن الأمل في إصلاح ليبيا وإعادة أوضاعها إلى ما كانت عليه قبل ما يسمى «الربيع العربي» الذي نجح في التدمير ولم ينجح في البناء، وفتح أبواب الفوضى على مصاريعها ومكّن الخارج الإقليمي والأجنبي من التحكم والتدخل المباشر في الشأن العربي، والوقوف موقف المتفرج من الصراعات الدائرة بعد إذكائها طائفياً وجهوياً.
وفي وضع كهذا، فإن أي موقف للجامعة العربية أو بعض الدول العربية التي ما تزال تشعر بمسؤوليتها، لن يحقق النجاح المطلوب، وكأن ليبيا ستظل على هذا الحال إلى ما شاء الله، وما يقال عن دور الجيش وتمركزه حول العاصمة طرابلس فلن يؤدي النتيجة المرتجاة إلا إذا تمكن من الاستيلاء على العاصمة، وفرض سيطرته عليها.
ومع ذلك، فإن التخريب قد توسع وتمدد وتجار الحروب يجدون من تشجيع القوى المشار إليها ما يجعلهم يبحثون لأنفسهم عن مواقع أخرى يواصلون من خلالها دورهم المرسوم بذكاء وإرادة لا تقبل الهزيمة.
ونحن هنا لا نرفع راية اليأس والاستسلام؛ بل نقرأ الواقع في صورته الراهنة وباحتمالاته كافة.
كما أننا في هذه الإشارات لا نشكك في حب الأشقاء الليبيين لوطنهم، وفي وجود قوى وطنية على درجة من الإيمان والقدرة على التضحية، لكن الوضع بكل ملابساته يجعل جهد هؤلاء محدوداً محصور التأثير. ولا حل يرتجى إلا إذا امتنعت القوى الخارجية، إقليمية وأجنبية، عن التدخل وترك الشعب في ليبيا يمارس وجوده بعيداً عن التحكم والمؤثرات، وقد أثبت هذا الشعب ولاءه للوحدة ورفضه للتفتيت منذ نيله الاستقلال وحصوله على حرية الاختيار، وسيكون الآن، بعد المعاناة أكثر قدرة على استيعاب الدرس وعلى التمسك بوحدته ورفض التدخلات المشبوهة القريبة منها والبعيدة.
إن الأوطان أمانة في أعناق أبنائها، وإذا كانت قلة قليلة من هؤلاء الأبناء قد خانت الأمانة وفرطت في الحقوق، فإن الأغلبية التي هي كل الشعب شديدة الحفاظ على الأمانة وشديدة التمسك بحقوق الأوطان، وهذه الأغلبية هي الضمانة الحقيقية والأمل الذي لا يعتريه شك ولا يأس. ومن الصعب؛ بل من المستحيل على قوى الخارج أن تجد طريقها إلى شعوب تدرك معنى الحرية وحقيقة الاستقلال.
وعلينا أن نتذكر دائماً أن ما يحدث في ليبيا ليس سوى انعكاس لما يحدث في عدد من الأقطار العربية المبتلاة بالتمزق والتفتت، ولن تبرأ مما تعانيه إلا في إطار شامل يأخذ في الاعتبار وحدة الأمة، وشعور أبنائها بالانتماء إلى وطن واحد ومصير مشترك.
ومن الصعب أن ينتهي التدخل الإقليمي والأجنبي في أقطارنا العربية، بعيداً عن الموقف العربي الموحد الرافض لكل أشكال التدخلات، وإعادة الحلم العظيم الذي كان يلملم شتاتنا، ويوحد المواقف في اتجاه المستقبل المنشود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"