ماذا بقي من الدولة الفلسطينية؟

05:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي أوباما عن رحلته المقبلة إلى القاهرة في الرابع من يونيو/ حزيران، لالقاء خطاب تاريخي هناك يكون بمثابة رسالة أمريكية تاريخية موجهة إلى الدول العربية والإسلامية، وأعداد هائلة من الكتاب والمحللين والمعلقين السياسيين، في جميع أرجاء العالم، خاصة في أمريكا وأوروبا وإسرائيل والدول العربية، لا يكفون عن اسالة أنهار من الحبر في التعبير عن توقعاتهم للآفاق السياسية التي سيتوجه إليها أوباما في خطابه الموعود، خاصة في موضوع اقتراح حل القضية الفلسطينية المزمنة، بمشروع إقامة دولتين (أي دولة فلسطينية تقام إلى جانب إسرائيل القائمة أصلاً) .

ومع تشعب واختلاف بل تناقض توجهات هذه الكتابات، فإن قاسماً مشتركاً يجمع فيما بينها هو الاتجاه الذي سيتخذه هذا المشروع في خطاب الرئيس الأمريكي، بعد أن ظهر إلى العلن الرفض الإسرائيلي الحاسم للمشروع، إلى درجة أن زعيم إسرائيل الجديد نتنياهو لم يتردد بوصفه بالمشروع الصبياني والغبي .

لكن ما يلفت النظر في شتى اتجاهات التعليق السياسي على هذا المشروع، أن معظم الكتاب يتعاطون معه وكأنه فكرة جديدة تطرح للمرة الأولى، وينسون أو يتناسون أن فكرة الحل عن طريق إقامة دولتين، قد ظهرت في أدبيات البيت الأمريكي الأبيض منذ الولاية الثانية للرئيس بيل كلينتون . وأنها لم تنقطع عن الظهور الدائم في تلك الأدبيات منذ ذلك الوقت، أي في ولايتي الرئيس بوش الابن، إلى بداية ولاية الرئيس الجديد أوباما . حتى أن الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن قد افتتح ولايته الأولى في مطلع القرن الجديد بوعد صاغه على شكل رؤيا سياسية ترى قيام الدولة الفلسطينية حدثاً سياسياً مكتمل التحقيق في العام ،2009 أي العام الحالي .

من هنا، فإن التقدم إلى محاولة توقع مصير الفكرة في خطاب الرئيس أوباما القاهري، لا بد من أن يسبقه محاولة فهم أسباب عدم إنجاز هذا المشروع حتى الآن، مع أن لحظات سياسية مرت كانت فيها هذه الفكرة بالذات (فكرة الدولتين) قاسماً سياسياً مشتركاً بين أمريكا وإسرائيل والأنظمة العربية الرسمية (بمن فيها السلطة الفلسطينية) .

إن نظرة شاملة إلى خطي السير النظري والعملي لهذا المشروع، منذ عهد كلينتون حتى يومنا هذا، سرعان ما تؤكد لنا أن هذا المشروع لم يفقد في يوم من الأيام، صفته كجزرة سياسية كبيرة ممدودة للحصان العربي الذي يواصل الركض لابتلاعها، بينما هي لم تقترب من ملامسة شفاهه في يوم من الأيام .

إن أفصح الناطقين باسم المرحلة الجديدة للمشروع، هو بلا شك رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نتنياهو، الذي مل على ما يبدو من لعبة الخداع (أي إعلان شيء، واضمار شيء معاكس)، فأعلن في وجه شريكه الأمريكي، وفي عقر دار البيت الأبيض، عن رفضه المطلق لمشروع الدولتين، ولم يتورع بعد ذلك بأيام عن وصفه بالمشروع الصبياني والغبي، لأنه يعرض حلاً ساذجاً لمسألة شديدة التعقيد .

ولكن حتى لو وضعنا هذا الكلام الإسرائيلي الرسمي الواضح جانباً، وتحولنا إلى الجانب الأمريكي، فإن الملامح الأمريكية للمشروع بدأت تظهر للعلن في الصحافة الأمريكية والإسرائيلية على التوالي، فما هي الصيغة الأمريكية الجديدة للمشروع القديم؟

يبدو من كل ما تسرب في الصحافة حتى الآن، أن الصيغة الجديدة لمشروع الدولتين لن تتعدى في أحسن أحوالها الأمور التالية:

1- أقرب مهلة لرؤية المشروع منفذاً هي نهاية ولاية الرئيس الجديد أوباما، أي بعد أربع سنوات من الآن .

2- على العرب في مقابل هذا الوعد الذي قد يتحقق وقد لا يتحقق بعد أربع سنوات (لعدم اقترانه بأي ضمانات فعلية) أن يدفعوا الثمن سلفاً، أي فتح حدودهم لكل أنواع التطبيع مع إسرائيل: سياسياً واقتصادياً وسياحياً وثقافياً ودبلوماسياً . وهناك من يضيف للدول العربية المطبعة، الدول الإسلامية التي يبلغ عددها 57 دولة .

لا يحق لدولة فلسطين الجديدة التسلح، أو عقد معاهدات إقليمية أو دولية في مجال التزود بالسلاح أو التدرب عليه .

ماذا يعني كل ذلك عملياً؟

يعني أن إسرائيل بدأت تجاهر علناً برفض حل الدولتين، وتتحدث عن حل نهائي لا يتجاوز منح حكم ذاتي للفلسطينيين . ويعني أن أمريكا، حتى لو تحركت لتفرض على إسرائيل صيغتها للحل، فهي أصلاً صيغة لا تتجاوز كياناً للحكم الذاتي، حتى لو أطلق عليه اسم الدولة الفلسطينية .

هذا هو المشروع الأمريكي الجديد، في أقصى نجاحاته، أي إذا انتقل إلى حيز التطبيق . ماذا بقي إذاً من الدولة الفلسطينية أرضاً وشعباً؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"