ماكرون والنقابات والمتقاعدون

04:09 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تفكيك الأزمة الاجتماعية المتفاقمة منذ أيام مع النقابات العمالية الرافضة لتعديل قانون التقاعد الذي اقترحه ضمن حزمة إصلاحات يتعثر تنفيذها؛ بسبب التقلبات الكبيرة العاصفة بالعلاقة بين السلطة التنفيذية والمنظمات المدنية، من نقابات وجمعيات. وكأن قدر ماكرون، الذي علقت عليه آمال عريضة بعدما تولى السلطة قبل عامين، أن يواجه معارضة متعددة الرؤوس، تحاول ثنيه عن تطبيق خططه؛ للنهوض بالدولة الفرنسية، كما يصورها مشروعه.

أمام الإضرابات الواسعة، والتظاهرات العنيفة، أعلن ماكرون أنه لن يتراجع عن مشروع إصلاح التقاعد؛ لكنه مستعد لتحسينه، وسيتوقف هذا الأمر على نتائج المفاوضات التي يجريها رئيس وزرائه إدوارد فيليب مع مسؤولي النقابات وممثلي أصحاب الشركات؛ لكن المفاوضات تواجه صعوبات جمة، وتحقيق اختراق فيها غير مضمون؛ إذ إن القضية المعلنة سببت انقساماً حاداً في فرنسا، ولم تعد أزمة بين الحكومة والنقابات فحسب؛ بل استقطبت أطرافاً سياسية عدة إلى هذا الجانب أو ذاك. لقد طرح ماكرون خطته مدعوماً من أنصار حزبه «إلى الأمام» وأحزاب اليمين المرتبطة بشركات كبرى تطمح إلى تحقيق مزيد من الفوائد، وتقليل الضغط على موازنتها. وبالمقابل تحظى النقابات بدعم القوى اليسارية وحزب «الخضر»، وكذلك من اليمين المتطرف الذي دخل على خط الأزمة، باحثاً عن أوراق سياسية يستخدمها في معارك ضد ماكرون وتياره، وليس انتصاراً للعمال أو شفقة على المتقاعدين.

قد يوحي ظاهر المشهد أن هناك أزمة اجتماعية يمكن أن تحل بالإجراءات، أما في العمق فهي أزمة سياسية بامتياز، وتأتي امتداداً لظاهرة «السترات الصفراء»، التي يبدو أنها أصبحت متعددة الألوان، وتضم مختلف شرائح الطبقة العاملة من، موظفين ومزارعين وأطباء ومعلمين وغيرهم، أما رجال الشرطة، الذين يفترض بهم أن يضبطوا الأمن، ويكافحوا الشغب، فقد أضرب 13 ألفاً منهم عبر «إجازات مرضية»؛ بذريعة أنهم غير قادرين على أداء مهامهم بموجب الأوامر الحكومية. وعليه، فإن الانقسام تجاوز الشارع والقوى السياسية إلى أجهزة الدولة الحيوية.

أمام تفاقم الأزمة، تحاول السلطات التوصل إلى «هدنة» تسمح بمرور أعياد الميلاد بلا تظاهرات ولا صدامات. وبدوره سبب هذا المسعى انقساماً داخل النقابات بين من يريد التهدئة، ومن يصر على التصعيد؛ «حتى تعود الحكومة إلى رشدها»، مثلما طالبت بذلك «الكونفيدرالية العامة للشغل»، فيما يشير استطلاع للرأي أن 51% من الشعب الفرنسي يريدون أن يتوقف الإضراب؛ بينما يؤيد 47% استمراره، كما يشعر 54% بالتعاطف تجاه الإضراب الذي يعارضه 36%. ومن دلالات هذه النسب أن الأزمة مستفحلة فعلاً، وقد تنتقل إلى شوط جديد من المواجهة مطلع العام المقبل، وسط توقعات بدخول عوامل أخرى؛ منها على الخصوص ذهاب بريطانيا في طريق «بريكست»، وما يمكن أن ينجم عنه من تداعيات فرنسياً وأوروبياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"