ما زالت فلسطين هي القضية

05:01 صباحا
قراءة دقيقتين
هنالك تضارب بين المحللين السياسيين في تفسير أمر المصاعب الجديدة التي تهدد المصير العربي . فمن أزمة سوريا، إلى أزمة العراق وما يبدو في هاتين الأزمتين من مخاطر تفتت وضياع المزيد من الوحدة الاقليمية للأقطار العربية، استمراراً لما حصل في فلسطين منذ ستة وستين عاماً، في أزمة ما زالت مفتوحة هي الأخرى حتى اليوم، تهدد باستكمال المشروع الاستيطاني الصهيوني حتى آخر شبر من أرض فلسطين العربية .
ومصدر حيرة وتناقض المحللين يعود إلى تحديد نوعية هذه المخاطر، الدائم منها والمتجدد:
- هل هي مخاطر خارجية أم داخلية؟
- وإذا كانت خارجية في الأساس، فهل هي استمرار وتواصل لما أطلقته منذ مئة عام اتفاقية سايكس - بيكو، أم هي تجديد لهذه الاتفاقية بصورة تعيد تجديد دورة الزمن قرناً بعد قرن، عملية إعادة رسم الحدود العربية؟
إن فلسطين ما زالت قضية العرب المركزية والأولى، وإن بقية القضايا التي نعيشها منذ قرن ونيف، ما هي إلا استمرار لتفاعلات القضية الفلسطينية .
فاتفاقية سايكس- بيكو لم تكن مجرد خريطة لإعادة ترسيم الحدود العربية بعد إنهيار الإطار العام للإمبراطورية العثمانية . ووعد بلفور، الوثيقة المكملة لاتفاقية سايكس - بيكو ليس مجرد قرار استعماري يحدد مصير القطر العربي الذي يحمل اسم فلسطين، في قلب العالم العربي، بين مشرقه ومغربه . إنما هذه الوثائق منظومة متكاملة، تحدد فيها منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، أن يعود مصير البقاع العربية التي خرجت من عباءة هذه الإمبراطورية وسكان هذه البقاع من ملايين البشر المرتبطين برباط العروبة، من المحيط إلى الخليج، إلى يد القوى الاستعمارية الخارجية، ترسم الحدود وتحدد معالم الاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية، وفقاً لما تتطلبه مصالح القوى الاستعمارية الكبرى في هذه المنطقة من العالم .
في هذا السياق التاريخي الممتد والمستمر والمتواصل منذ مئة عام، عبر القضية الفلسطينية في منتصف القرن العشرين، ثم تجدد أزمات تهديد الوحدة الوطنية بالتفكك في كل من سوريا والعراق، في مطلع القرن الحادي والعشرين، حدثت انتفاضات عربية داخلية عدة، في محاولة رفض مبدأ أن يكون تحديد مصير الأرض العربية والبشر العرب بأيدي القوى الاستعمارية الخارجية، بل بيد أصحاب الأرض .
وقد تنوعت هذه الانتفاضات في حجم وعمق كل منها، لكن أكثرها جدية كانت تجربة المد القومي المعاصر في عقدي الخمسينات والستينات كبداية رد على نكبة فلسطين، وما جسدته من سلب للإرادة السياسية المستقلة لأهل المنطقة العربية . لكن ضربات المصالح الخارجية لم توفر هذه التجارب، وحولتها إلى عمليات فاشلة في المحصلة النهائية، فبقي العرب عاجزين ومحبطين أمام أبواب العصور الحديثة، ليبقى مصيرهم متعلقاً بوثائق من نوع سايكس - بيكو، ووعد بلفور وسواهما .
إنها في الاساس قضية فلسطين، التي ستظل تتفاعل في سوريا والعراق، وربما في أقطار عربية أخرى، بمعالم خطرة من مظاهر التفكك والتحلل، حتى يستطيع العرب الوصول إلى خطة مركزية واحدة، لاستعادة حقوق العرب كاملة في فلسطين أولاً، فتسقيم عندئذ أحوال العرب أمام مواجهة مخططات الخارج الاستعماري، ويدخلون العصر الحديث من أبوابه العريضة، ويستعيدون حرية قرارهم السياسي استعادة كاملة، مقدمة لحريتهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية .

الياس سحاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"