محاربة الإرهاب والقتل المجاني

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
قتال «داعش» ومحاربة الإرهاب هدف نظيف، بل وواجب كل القوى التي تحترم أمن الناس وحياتهم، لكن بالنسبة لبعض القوى الخارجية، فالأمر ليس أكثر من سُلّم يصعدون عليه للوقوف على رؤوسنا بحجة مكافحة الإرهاب.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، هي صناعة الاستخبارات الغربية، أو بدعمها إن أردنا الحذر، لكن أحداً لا يمكنه إنكار، أن «داعش» وأخواتها وجدت في مجتمعاتنا العربية الغارقة في الجهل، بيئة خصبة، فنمت على أطرافها، كما تنمو الطحالب البحرية على أطراف صخور البحر. ومن الطبيعي أن يكون هدف القضاء على هذه الآفة مطلب كل عربي تأذى من هذا الفكر التخريبي التكفيري المجرم.
لكن علينا أن نفرق بين قتال الإرهاب ومواجهته، واستهداف البنى التحتية في أكثر من بلد عربي، وقتل الأبرياء، تحت ذريعة محاربة «داعش» التي زرعت في منطقتنا العربية، لتمرير أجندات جهنمية، وتبرير التدمير المنهجي للدول العربية واحدة تلو الأخرى، تحت يافطة الحرب على الإرهاب!
إذ كيف لعاقل أن يتصور أن قتل مئات المدنيين، يتم بكل برودة أعصاب، من أجل تحرير بناية هنا أو شارع هناك، وأن تدمر الجسور والمصانع، والمدارس، ومحطات التكرير والحقول النفطية، بل وتهديد السدود في كل من سوريا والعراق وغيرهما من الدول العربية، لمحاربة آفة صممت لتكون البداية لتهديم كل ما هو قائم في بلداننا العربية، ولتكون الفتيل الذي يشعل المنطقة، بغية تفتيتها، وتسييد الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له عليها.
أليس من الغرابة، أن يموت الأبرياء بلا حساب، وأن يتم تعدادهم كأرقام فقط تتضاعف يوماً بعد يوم، على مذبح الحرب على الإرهاب؟
دعونا نلقي نظرة سريعة على الخسائر في صفوف المدنيين الآمنين في كل من سوريا والعراق، ناهيك طبعاً عن ملايين المهجرين من ديارهم.
ففي تقرير لمنظمة «إيرو ورز» المختصة بمتابعة الحرب الجوية ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وليبيا تؤكد المنظمة أن ما ألقاه التحالف من قنابل خلال الأشهر الثلاثة الماضية يمثل زيادة قدرها تسعة وخمسين بالمئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفقاً لإحصاءات رسمية معلنة.
أما عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في هذا القصف الذي تقوم به طائرات «التحالف الدولي» فقد تسببت بمقتل نحو ألفي مدني وإصابة أكثر من ثلاثة الآف في العراق وسوريا وحدهما.
وإذا توقفنا عند ما أعلنه المرصد العراقي لحقوق الإنسان بأن أعداد القتلى المدنيين في الساحل الأيمن لمدينة الموصل ارتفعت بشكل مخيف، في ظل الحرب الدائرة بين تنظيم «داعش» والقوات العراقية، والتي تشارك فيها طائرات «التحالف الدولي» بشكل مكثف، نلاحظ أن المدنيين سواء في سوريا أو العراق وليبيا، إنما حالهم حال من وقع بين المطرقة والسندان، فهم يقتلون على أيدي الإرهابيين، الذين يحاصرونهم، أو يموتون بنيران المعارك، وهو أمر لا يمكن لعاقل أن يتقبله، لأن حماية النفس الإنسانية، تبقى هي الأهم، في الحرب على الإرهاب.
وإذا كان تنظيم «داعش» يصر على استخدام هؤلاء المدنيين الأبرياء كدروع بشرية، فإن هذا لا يبرر الضرب بعرض الحائط، بكل ما هو ضروري لحماية أرواح الأبرياء، الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها، أسرى للخوف من إرهاب «داعش»، وخطر الموت خلال الحرب عليها، لا سيما وأن هذا التنظيم الإرهابي، غير معني أصلاً بأهمية وقيمة الحياة الإنسانية، ولا يتورع عن القيام بأي عمل، مهما كان إجرامياً لاستمراره في الوجود، حيث يجبر هذا التنظيم الموغل في إرهابه السكان في المناطق التي ما زالت تحت سيطرته على إزالة أبواب منازلهم وتهديم الجدران الفاصلة بينها، بالإضافة إلى هدم الجدران الخلفية للمنزل لتسهيل مرور عناصر التنظيم بين الأزقة، ثم قتل الناس بدم بارد، لأي سبب مهما كان تافهاً.
وأخيراً، إن الحرب على الإرهاب رغم أهميتها إلاّ أنّها يجب ألاّ تبيح قتل المدنيين، وتهديم المنازل على رؤوس ساكنيها، لأن في ذلك جرائم ومخالفات قانونية دولية، تصب في خانة ما يقوم به «داعش» أو غيره من التنظيمات الإرهابية، التي انتشرت واتسع خطرها، كما تنتشر النار في الهشيم، لتحرق الأخضر واليابس، وتعيد المنطقة عشرات بل مئات السنين إلى الوراء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"