محاربة الجوع في العالم

01:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
يعد الجوع والفقر اليوم من الظواهر السلبية الأسرع، والأكثر انتشاراً في العالم، خاصة بعد الحروب والمنازعات، التي تؤدي إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وتحظى هذه الظاهرة باهتمام عالمي ومحلي كبير، وتؤكد التقارير الدولية أن الفقر انتشر في العقود الماضية بشكل لم يسبق له مثيل على مستوى العالم، ليس بسبب كون الكرة الأرضية فقيرة الموارد والثروات، بل بسبب الإنسان، الذي يسيء استخدام الموارد، ويعتدي على أخيه الإنسان، ويشعل الحروب بدلاً من الانشغال بالتنمية.
القارة الإفريقية على الرغم من أنها غنية بالموارد الكثيرة، والثروات الطبيعية التي تجعلها أكثر القارات ثراء فإن شعوبها فقيرة، تعاني أوضاعاً معيشية متدنية، وتسود فيها المجاعات التي تهدد حياة البشر بالموت والفناء، بسبب ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبسبب الجماعات المسلحة، والنزاعات الداخلية، والحروب الأهلية التي تنشر الفقر والجوع والدمار.
في كل دقيقة يقتل الجوع مئات آلاف الأطفال حول العالم، وفي إحصاءات سابقة للأمم المتحدة، فإن طفلاً يموت كل 5 ثوان بسبب الجوع إما بشكل مباشر، أو غير مباشر.
وتسعى الحكومات ومنظمات الإغاثة الدولية لمحاربة الجوع والفقر حول العالم، وتقدم المساعدات الغذائية لإنقاذ البشر من الجوع والفقر، وتناشد المؤسسات والشركات ورجال الأعمال دعم الدول الفقيرة والدول النامية، وهذه البرامج الإغاثية العاجلة ذات أهمية كبيرة لمواجهة مشكلة الفقر والجوع والأزمات والكوارث التي تنذر بالمجاعات.
وتعد دولة الإمارات أكبر داعم لبرامج مكافحة الجوع وسوء التغذية على المستويين الإقليمي والعالمي، ومع دخول عام 2017 أعلنت دولة الإمارات عن مبادرة عام الخير، وأطلقت 1000 مبادرة وبرنامج، ومن أهمها بنك الإمارات للطعام، الذي يقوم بالتعامل بشكل احترافي مع فائض الطعام، وتوزيعه داخل الدولة وخارجها، بالتعاون مع المؤسسات الإنسانية المحلية والدولية. فقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أثناء إطلاق هذه المبادرة: «أحببنا أن نبدأ عام الخير بمبادرة تتعلق بأهم احتياجات الإنسان وهو الطعام، وأن نبدأه بتعميق خصلة من أهم خصال شعبنا وهو الكرم، وسنحاول من خلال بنك الإمارات للطعام وضع هذه القيمة العظيمة ضمن إطار مؤسسي مستدام، فإطعام الطعام من شيم الكرام، ومن قيم أبناء الإمارات، ومن إرث زايد الخير».

ومكافحة الجوع والفقر تحتاج إلى وضع استراتيجيات قصيرة وطويلة المدى لدفع عجلة النمو نحو الأمام، مثل تشجيع نقل التكنولوجيا إلى بلدان العالم الثالث، وبناء اقتصاد معرفي يستفيد من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لتحقيق التنمية المستدامة، وتشجيع الشركات الكبرى على فتح الاستثمارات في الدول الفقيرة والنامية، وتنشيط قطاع الأعمال فيها، لتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل، وتمكينهم من الحصول على دخل مناسب يقتاتون منه ويعيلون أسرهم، فللقضاء على الجوع لا بد من القضاء على الفقر.

وكذلك التنمية الريفية مهمة للقضاء على الجوع، فثلاثة أرباع الجائعين في العالم يعيشون في الأرياف، ومن وسائل التنمية الريفية الاهتمام بالقطاع الزراعي في الأراضي القابلة للزراعة، وتحسين فرص العمل فيها، ودعم المزارعين، وتقديم التسهيلات لهم، وتوفير أفضل النظم الزراعية الحديثة، وعمل البحوث الزراعية لإنعاش وتنمية القطاع الزراعي، إضافة إلى حماية البيئة ومكافحة التصحر والجفاف.
كما أن إحدى أهم وسائل القضاء على الجوع والفقر في العالم مكافحة الأمية والجهل، ونشر العلم والمعرفة، وتكوين رأس المال البشري المؤهل، وبناء الكفاءات ذات المهارات العالية القادرة على القيام بتحولات تنموية، وتمكينها من إحداث التغيير، وذلك يتطلب وجود استراتيجيات وطنية وإرادة سياسية واعية ومتطلعة في هذه الدول، إضافة إلى الإصلاح الإداري، ووجود مؤسسات فاعلة. فالعصر الحديث عصر المؤسسات التي تلعب دوراً رئيسياً في إدارة الدول وتنميتها، ووجود سياسات اقتصادية متوازنة تلبي الحاجات في ضوء الموارد المتاحة، وكذلك وجود بيئة اجتماعية مستقرة، تتمتع بالسلام والتسامح والتعايش، فبدون الاستقرار لا يمكن للحياة التنمية أن تنشأ ولا أن تستمر.
وكذلك القضاء على الفساد الذي يعرقل النمو الاقتصادي، ويصنع بيئة حاضنة للفقر، وتمكين القانون من القضاء على هذه الظاهرة السيئة ومحاسبة الفاسدين، وتحقيق العدالة والنزاهة وسيادة روح القانون في هذه المجتمعات.
ومن الأمور الضرورية كذلك لمكافحة الجوع والفقر، إنهاء حالات الحروب والنزاعات وتسويتها، والقضاء على الإرهاب والتطرف، فالحروب والصراعات عوامل كارثية تنشر الجوع والمجاعات حول العالم، فهي تستنزف الموارد، وتؤدي إلى الغلاء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتهدر الطاقات البشرية في حروب الفناء والإبادة، بدلاً من التنمية وبناء الاقتصاد، وتفضي إلى عمليات النزوح والهجرة الجماعية التي تؤدي بدورها إلى انتشار الجوع وسوء التغذية والمجاعات.

سلطان حميد الجسمي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"