مخاض عقد القمة الـ 27

02:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي
اعتذار المغرب عن عدم استضافة القمة العربية الدورية المقررة في مراكش 29 مارس/ آذار المقبل، رغم أنه لا ينطوي على مفاجأة كبيرة، وذلك بالنظر إلى سوء الأوضاع العربية الذي لا يشجع على عقد لقاء القادة، إلا أن هذا القرار جاء بمثابة محاولة لتسمية الأشياء بأسمائها، وتحريك المياه الراكدة وفي وقت توقف فيه الحديث في العواصم العربية عن العمل الجماعي، وبات الاستقطاب والتمحور هما عنوان المرحلة، فيما يضطرب حبل الأمن في غير بلد عربي.
القرار المغربي جاء معللاً ومشفوعاً ببيان توضيحي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية في الرباط، وذلك بعدما أبلغ الوزير صلاح مزوار الجمعة 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي قرار المملكة بإرجاء تطبيق حقها في تنظيم القمة. وورد في بيان الوزارة أنه «تم اتخاذ هذا القرار طبقاً لمقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية، وبناء على المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة، وبعد تفكير واعٍ مسؤول». وأوضح البيان أنه «نظراً للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم، فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حدّ ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي»، مشيراً إلى أن «الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة».
يكاد أحد لا يختلف مع مضمون هذا البيان، وذلك لما تضمنه من إشارة إلى حالة الشلل التي تكتنف العالم العربي بما يتعلق بتنظيم العمل العربي. يُذكر هنا أن المغرب استضاف في العام 1981 قمة عربية عادية في فاس، ثم استضاف في عقد الثمانينات ثلاث قمم استثنائية. ومنذ ذلك التاريخ لم تشهد المغرب انعقاد أية قمة عربية على أراضيها.
ومن الواضح أن البلد المضيف يخشى لو استقبل الدورة 27 للقمة العربية كما هو مقرر، ألا تشهد القمة نجاحاً يذكر، أو أن تخرج بصورة باهتة. وهو ما أشار إليه البيان بالقول إنه «أمام غياب قرارات مهمة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي».
في واقع الحال أن هناك قضايا ساخنة تفرض نفسها على جدول القمة، ومنها بالذات الأزمة السورية، ومشاريع تشكيل قوة برية لمكافحة «داعش» بعدما ثبت أن الضربات الجوية وحدها غير كافية لاستئصال هذا التنظيم الذي يعمل بصورة احترافية، ومنها التطورات المتسارعة في الأراضي المحتلة وخاصة مع سعي سلطات الاحتلال لتهويد قسري للأماكن الإسلامية المقدسة بما فيها المسجد الأقصى بعدما تم قطع شوط كبير في تهويد المدينة المقدسة. وهناك مشروع تشكيل قوة عربية مشتركة المحال من القمة السابقة بعدما تم التوافق عليه مبدئياً. ومنها الوضع في اليمن وليبيا. وجميعها تشهد حوادث ساخنة.
الجامعة العربية المناط بها تنظيم القمة وبعدما تلقت الاعتذار المغربي، سارعت لإحالة استضافة القمة للدولة التالية وفق الحروف الأبجدية وهي: موريتانيا، جارة المغرب الجنوبية.. لم يسبق لهذا البلد العربي أن استضاف لقاء قمة، أو مناسبات مهمة على هذا المستوى، غير أن ذلك لا يطمس حقه في استقبال هذا الحدث المهم على أراضيه، وتشاء المفارقات أن يتزامن اليوم الذي أعلن فيه عن موريتانيا مكاناً لانعقاد القمة (وهو الجمعة الماضية)، مع الإعلان عن عملية فرار كبيرة من سجن موريتاني ضمت 30 سجيناً يعتبرون من أخطر السجناء، خرجوا من سجن «دار النعيم»، من دون أن يلاحظهم الحراس. الحادث رغم أنه معزول، إلا أنه قد يلقي ظلالاً على نجاعة الاستعدادات والبُنى الأمنية لهذا البلد في استقبال مثل هذا الحدث.

الراجح أن الأسابيع التي تفصلنا عن عقد القمة، سوف تشهد حراكاً قوياً لتثبيت مكان انعقاد القمة، ولنا أن نستذكر كيف أن القمة السابقة في شرم الشيخ قد شهدت إعلان الملك سلمان بن عبدالعزيز عن انطلاق عملية عاصفة الحزم في اليمن. بالنظر إلى حساسية الموقف الحالي ودقته، لا يستبعد المرء انعقاد القمة في تاريخها (7 نيسان بدلاً من 29 آذار). وأن تشهد القمة الجديدة إعلانات سياسية على جانب من الأهمية وخاصة إزاء الانغلاق الذي تشهده الأزمة السورية حتى تاريخه. أو أن يحدث ما هو خلاف ذلك، بأن يتم إرجاء القمة إلى بضعة أسابيع أخرى، وبأمل أن يتمكن القادة في تلك الأثناء من اجتراح بعض الحلول للأزمات المحتدمة في سورية واليمن وليبيا.
وسواء عقدت القمة في موعدها أم لا، فالواضح أن الموعد الدوري لانعقادها بات يشكل تحدياً ذا طبيعة خاصة، فهذه المناسبة تشكل ضرباً من ضروب الحوار العلني غير المباشر بين القادة والشعوب، إضافة إلى الحوار الذي يجري في أروقة القمة بين القادة أنفسهم. ولهذا يتم الإعداد الجيد والدقيق لهذه المناسبة، بحيث تتحول إلى موئل للمداولات، وكذلك إلى منبر علني لبلورة المواقف وتحديد السياسات، وبالنظر إلى الظروف الحساسة التي يعيشها عالمنا العربي منذ أزيد من خمس سنوات، فإن مخاض التحضيرات للقمة قد يكشف عن الوجهة التي تتجه إليها الأحداث في الأشهر المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"