مستقبل الإرهاب بين التراجع والانتعاش

02:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

يعطي تراجع أعداد الهجمات الإرهابية في الغرب خلال العام الجاري انطباعاً زائفاً بهزيمة الإرهاب أو انحسار خطره. غير أن الأرقام الموثقة تثبت العكس قياساً على عدد الهجمات والإرهابيين والضحايا. والهدنة التي تستمتع بها الدول الغربية في حربها ضد الإرهاب يقابلها تصعيد وحشي في عملياته في الشرق، إلا أن الهيمنة الغربية على وسائل الإعلام الكبرى تجعل من مقتل عشرة أو حتى خمسة أشخاص في أوروبا أو أمريكا حدثاً دولياً طاغياً، بينما يقتل أضعاف هذا الرقم يومياً في بلدان الشرق الأوسط وآسيا ولا يلتفت إليه أحد.
تقول الأرقام على سبيل المثال: إنه منذ بداية العام وحتى آخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي شهد العالم 1358 هجوماً إرهابياً راح ضحيتها 7166 قتيلاً، وبالطبع كلهم إلا قليلاً في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
الأعداد التقديرية للإرهابيين وخريطة توزيعهم مؤشر آخر مهم يثبت ليس فقط أن الشرق هو الضحية الأولى للإرهاب، ولكن أيضاً أن العالم ما زال بعيداً عن الأمن الذي ينشده. وقبل أيام أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تقريراً مهماً عن هذه النقطة تحديداً، أي أعداد الإرهابيين وتوزيعهم الجغرافي. التقرير الذي يقع في 78 صفحة ويحمل عنوان تقييم التهديد السلفي والجهادي يكشف عن حقائق مهمة، منها أن عدد الإرهابيين أو الانتحاريين لا سيما ممن ينتمون إلى «القاعدة» و«داعش» وملحقاتهما قد تضاعف أربع مرات منذ هجمات سبتمبر/أيلول 2001 وانطلاق الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.
يوضح التقرير الذي أعده خمسة من خبراء المركز المرموق أن ما يقرب من 230 ألف جهادي سلفي، وفقاً لتعبيره، ينتشرون حالياً في 70 دولة. وأكثر المناطق التي تحتضنهم هي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق آسيا. وتأتي سوريا على رأس الدول التي يتحصن فيها الإرهابيون وعددهم وفقاً للمركز يتراوح بين 43650 و64550 تليها أفغانستان وفيها ما بين 27 ألفاً إلى 64 ألفاً، ثم باكستان ما بين 17600 إلى 39540 ويوجد في العراق ما بين عشرة آلاف إلى 15 ألفاً، ثم نيجيريا ما بين 3450 إلى 69 ألفاً، وأخيراً الصومال ما بين 3095 و7240.
ويحصي التقرير 67 جماعة جهادية سلفية تمارس نشاطاً مشبوهاً خلال 2018 وهو أكبر عدد من الجماعات منذ 1980 ولم يتكرر سوى عام 2016 فقط. ورغم أن «داعش» و«القاعدة» مع التنظيمات المرتبطة بهما هما العمود الفقري لمنظومة الجماعات الإرهابية، إلا أن هناك 44 منظمة مستقلة تماماً عن هاتين الجماعتين.
لا تكمن أهمية التقرير فيما يقدمه من معلومات عن الإرهابيين من حيث أعدادهم ومنظماتهم وملاذاتهم الآمنة فقط، ولكنه يحاول استقراء المستقبل بشأن أنشطتهم أيضاً. وللأسف فهو يرى مؤشرات مثيرة للقلق في مقدمتها تطور قدرة الإرهابيين على توظيف واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارهم أو تجنيد عملاء جدد وشحنهم معنوياً لشن هجمات دون ارتباط تنظيمي بأي جماعة.
بعد آخر مهم تطرق إليه التقرير بالحديث عن حاجة صناع القرار في أمريكا إلى إعطاء اهتمام أكبر بالقضايا التي يستغلها الإرهابيون لاستثمار غضب الشباب وتجنيدهم. وحجر الزاوية للانتصار في معركة الإرهاب هو مساعدة الدول التي يستوطن فيها الإرهابيون، ومد يد العون لحل مشاكلها السياسية والاقتصادية وغيرها.
يحتاج السياسيون الأمريكيون، والكلام للباحثين، إلى فهم أعمق للعوامل السياسية وغيرها من أسباب خلق وانتشار الإرهاب. والخطأ الأكبر الذي يرتكبه الغرب أنه يتخذ قرارات ويتبنى مواقف يقدم من خلالها هدية مجانية للإرهابيين لدعم دعايتهم وتجنيد متعاطفين جدد كل يوم.
يريد التقرير أن يقول ما قاله كل العقلاء من قبل وهو أن الإرهاب فكرة، ولا يمكن أن تقتل الفكرة بالدبابة أو الطائرة، فلا بد من مواجهة الأفكار بالأفكار، ولا بد من معالجة الظاهرة من جذورها، وباستئصالها لن يكون الإرهاب قادراً على البقاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"