مستقبل عملات الاحتياطي

02:47 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعظيم محمود حنفي

احتفظ الدولار بسيادته طوال قرن كامل إلا أن الثقة في العملة الخضراء تراجعت في العقود الأخيرة بسبب استمرار العجز في الحساب الجاري الأمريكي، وتنامي العجز الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية. مما يثير سؤالاً حاسماً ما الذي سيحل محله؟ يقول البعض إنه اليورو، ويقول آخرون إنه ربما الين الياباني أو الرينمنبي الصيني. ويطالب البعض بعملة عالمية جديدة للاحتياطي، يمكن أن تقوم على حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، وهي أصل من أصول الاحتياطي بيد أن جميع هذه البدائل المرشحة لا تخلو من العيوب. والحقيقة انه لا يوجد بديل واضح للدولار يمكن ان يحتل مكان الصدارة. وترجمة لملاحظة ونستون تشرشل عن الديمقراطية ربما تبين أن الدولار هو الخيار الأسوأ - ما عدا جميع الخيارات الأخرى.
إن الإطار التقليدي لدراسة العملات الدولية يفرق بين الوظائف المعيارية الثلاث للنقود- كواسطة للتبادل، ووحدة للحساب، ومخزن للقيمة - على مستويين من التحليل: السوق الخاصة والسياسة الحكومية. ففي الأسواق تلعب العملة الدولية دورا في تداول النقد الأجنبي. وإعداد فواتير حسابات التجارة، والاستثمارات المالية - وبالنسبة للحكومات تتمثل وظائف العملة الدولية في كونها أداة تثبيت لأسعار الصرف وعملة للاحتياطي. وعلى مستوى السوق، تغلب الاعتبارات الاقتصادية بصورة نمطية في تحديد الخيارات المفضلة. وعلى مستوى الحكومات لا مفر من عنصر السياسة الإضافي.
وتدلف السياسة إلى الساحة لأن العملة الدولية تمنح مزايا سياسية واقتصادية فريدة للدولة التي تصدرها. ويميل الاقتصاديون بالطبيعة إلى التركيز على المزايا الاقتصادية التي يتضمنها هذا الوضع مثل الرسوم على سك العملة الدولية، وهو الأمر الذي كان يدور بخلد شارل ديجول في ستينيات القرن الماضي عندما كان يشتكي من «الميزة الباهظة» التي تحصدها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هناك مزايا سياسية أيضا. ذلك أن حكومة بلد العملة الدولية يتوافر لها مجال أفسح للقيام بمبادرات دبلوماسية أو عسكرية خارج حدودها. وهو أحد مظاهر ما يسميه علماء السياسة القوة «الصلبة» ويكتب البلد المصدر لهذه العملة نفوذا جغرافيا سياسيا. إن مستقبل عملات الاحتياطي ما هو إلا مسألة اقتصاد سياسي ليس اقتصادا فحسب. ومثلما كتب روبرت مانديل الحائز على جائزة نوبل (1993) ذات مرة فإن «القوى العظمى لديها عملات عظمى».
وبالطبع قد يتعرض البلد المصدر للعملة لمثالب خاصة بمجرد أن يتراكم عرض مفرط كبير من عملته في أيد أجنبية. وكما تدلل محنة بريطانيا الطويلة عقب الحرب العالمية الثانية، فإن الدفاع عن عملة عظمى - تعرضت لانهيار - قد يكون باهظا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"