مشكلة سيناء مركّبة وليست أمنية فحسب

04:11 صباحا
قراءة 4 دقائق

منذ سقوط حسني مبارك في فبراير/شباط 2011 عادت شبه جزيرة سيناء لتستقطب اهتمام الإعلام والمراقبين في العالم بصفتها بؤرة جديدة للتوتر . فمن تفجير أنابيب الغاز المتجهة إلى إسرائيل إلى خطف الأجانب أو تهريب الأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين إلى بناء الجدار العازل الإسرائيلي على طول المنطقة الحدودية وصولاً إلى العمليات الارهابية ضد الأمن المصري وآخرها تلك التي أودت بحياة ستة عشر جندياً مصرياً والتي رد عليها الرئيس مرسي بحملة عسكرية واسعة وتغييرات سياسية وأمنية مفصلية، فان التوتر هو عنوان المرحلة الجديدة في سيناء على ما يبدو .

المفارقة أن تحديد عدد وعدة الجنود المصريين في سيناء، بموجب اتفاقية السلام، كان هدفه حماية أمن الدولة العبرية، لكن العكس تماماً هو ما حصل . فقد غدت سيناء معقلاً استراتيجياً للناشطين الفلسطينيين من حماس والجهاد الإسلامي، بحسب المراقبين الإسرائيليين، الذين بدأوا بالانقسام بين مؤيد ومعارض لإعادة النظر في اتفاقية السلام بشكل يتيح لمصر مكافحة الإرهاب في سيناء . ومن هؤلاء المراقبين من يدعو إلى اتخاذ تدابير، أضحت ملحة وضرورية، لحفظ الأمن حول شبه جزيرة سيناء وتفادي بزوغ شبه دولة بدوية هناك ما يقود إلى انفجار اتفاقية السلام تحت ضغوط المنطقة الحدودية الفالتة والتي يسميها البعض ثقباً أسود يهدد بابتلاع مثلث السلام بين مصر وإسرائيل والأردن . وفي 30 ابريل/نيسان الماضي طلب ايهود باراك من السلطات المصرية العمل على احتواء الفوضى في سيناء، الأمر الضروري لإبقاء بلدينا معاً على طريق السلام . وتقوم إسرائيل ببناء جدار عازل على طول الحدود الممتدة مع سيناء سيكون ناجزاً في نهاية العام الجاري .

وإذا كانت إسرائيل تنظر إلى سيناء من منظور أمني بحت فإن لمصر منظوراً مختلفاً جذرياً . فمنذ استعادتها في العام 1982 وضعت مصر مشروعات وبرامج استراتيجية تهدف إلى إعادة إدماج سيناء في النسيج الوطني . بنت شبكة بنى تحتية حديثة أسهمت في ازدهار السياحة، ولكن من دون أن يطرأ تحسّن على حياة ساكني الصحراء المهمّشين منذ وقت طويل . أكثر من ذلك زادت السياسات الليبرالية الاقتصادية من شعور هؤلاء، وجلهم من البدو، بالغبن والاهمال، الأمر الذي أسهم في نمو التطرف بين صفوفهم . وإذا أضفنا إلى ذلك التعاطف الشعبي حيال القضية الفلسطينية في مقابل تخاذل السلطة المصرية، لاسيما حيال الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية المتكررة على غزة، نفهم أسباب نمو الحركات الاسلامية المتشددة في شبه الجزيرة التي طالما كانت جسر عبور بين مصر وبلاد الشام والسعودية فأضحت صلة الوصل الوحيدة لغزة المحاصرة مع العالم الخارجي، عن طريق الأنفاق السرية .

من المشروعات الإدماجية لسيناء على سبيل المثال المشروع الوطني لتنمية سيناء الهادف، منذ إقراره في العام ،1994 إلى ضخ استثمارات بقيمة 52 مليار دولار خلال خمسة وعشرين عاماً ورفع عدد سكان سيناء إلى ثلاثة ملايين نسمة في غضون العام ،2020 وأن يجري نقل مياه النيل إلى العريش(قناة السلام) لري 200 ألف هكتار من الأراضي . لكن يتبين اليوم بعد كل هذه السنوات أن المشروع سقط تحت عبء الفساد والبيروقراطية والصعوبات التكنولوجية والاقتصادية والبيئية . وقد تبين أن السلطة المصرية كان يهمها النجاح في مكان آخر، على ضفاف خليج العقبة وفي شرم الشيخ التي نجح القطاع الخاص في جعلها منتجعاً سياحياً يقصده الملايين بعد أن أضحى منصة الاتصال السياسي الدولي للنظام في عهد مبارك الذي اتخذه مسكناً له في بعض أوقات السنة وفيه نظّم المؤتمرات الدولية واستقبل الزوار المميزين واليه التجأ بعد تنحيه .

لكن خليج العقبة الآمن بسبب بعده عن التجمعات السكانية الكثيفة صار هدفاً للارهاب الذي ضربه بين العامين 2004 و2006 والذي اتهمت به جماعات جهادية تكفيرية (مثل حركة التوحيد والجهاد) تضرب جذورها في بدو سيناء الذين تعرضوا لحملات أمنية (توقيف اعتباطي لثلاثة آلاف شخص، سجن وتعذيب . . .) نددت بها جمعيات حقوق الإنسان العالمية .

ما حصل مؤخراً في سيناء هو امتداد لصراع طويل بين السلطة في مصر وبدو سيناء الذين يتهمهم البعض بالعمالة ل اسرائيل والذين بقوا خارج سياق النمو السياحي والاقتصادي وضحية إهمال الدولة لهم . ولا ننسى أن عدداً كبيراً منهم لا يحمل أوراق هوية مصرية وبالتالي لا حقوق لهم في الملكية والعمل في دوائر الدولة الرسمية لاسيما الشرطة والجيش والوظائف التي خُلقَت في إطار التنمية السياحية والتي استفاد منها المهاجرون الآتون من وادي النيل .

في هذه الأجواء ينمو اليأس والتطرف في صفوف هؤلاء الذين استغلوا الفوضى الناجمة عن الثورة المصرية لرفع الصوت وحمل السلاح في خدمة أعمال إرهابية أحياناً .فمنذ العام الماضي ازدهرت عمليات خطف الأجانب ورجال الشرطة وحتى جنود القوة الدولية لحفظ السلام في سيناء، وذلك من أجل مبادلتهم بسجناء في السجون المصرية أو لقاء فدية مالية .

ربما تكون القبضة الحديدية التي يرفعها الرئيس مرسي ضرورية لاسيما بعد العملية الإرهابية الأخيرة ضد الجنود المصريين . لكن مشكلة سيناء اقتصادية-اجتماعية بالدرجة الأولى وليست أمنية فحسب، وهذا ما يعرفه كل المرشحين للرئاسة المصرية الذين وعدوا بحلها خلال معركتهم الانتخابية . إلى ذلك ينبغي أن لا ننسى أنه، على المدى الطويل، من الصعوبة بمكان إعادة الاستقرار إلى شبه جزيرة سيناء من دون التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، تحديداً في قطاع غزة .

وهكذا يختلط المحلي بالإقليمي والأمني بالاقتصادي-الاجتماعي والسياسي ليساهم في تعقيد مشكلة سيناء التي غدت بؤرة توتر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"