مشهد تونسي متقلّب

01:55 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تشهد الساحة السياسية التونسية اضطراباً غير مسبوق يتسم بتفاقم المشاحنات بين مختلف الأطراف، وتعدد مظاهر التفكك والبناء العشوائي للأحزاب والكيانات وتضارب البرامج والرؤى، بينما لم يبق على المواعيد الانتخابية غير 120 يوماً، لن تكون كافية، على الأرجح، ليضبط المعنيون بهذا الاستحقاق تقديم مرشحيهم وضبط أجنداتهم، فضلاً عن إقناع الناخبين.
قبل الانتخابات الماضية عام 2014، كان المشهد واضحاً إذ تقاسمه مبكراً تياران، الأول تقوده حركة «النهضة» الإسلامية، والثاني تزعمته حركة «نداء تونس» بإدارة رئيس الجمهوية الحالي الباجي قايد السبسي. وعلى مدى السنوات اللاحقة تشتت «النداء» وأصبح «نداءات» وتفرعت عنه أحزاب وحركات كل منها يدعي أنه الممثل الشرعي والوحيد لمبادئ الحركة الأم، التي حققت التوازن السياسي في البلاد، وحدّت من طموحات الإسلاميين في الاستفراد بالبلاد. ولم تفلح كل المحاولات لإصلاح ذات البين بين فرقاء التيار الواحد، وكانت الطامة الكبرى عندما فشل مؤتمر في إبريل الماضي بمدينة المنستير، وعوض أن تحافظ البقية على ما تبقى، انتهت بانشقاق جديد إلى جناح يقوده نجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، وجناح آخر يقوده القيادي سفيان طوبال. وبينما يتصارع الطرفان على شرعية تمثيل «النداء»، تفككت القواعد وانفض المتعاطفون لصالح أحزاب جديدة منها حركة «تحيا تونس» بقيادة رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، وهي حركة تتشكل من المكونات نفسها التي كانت في «النداء». ومع ذلك، تستمر الأزمة، ولا تبدو هناك مؤشرات على أن هذا التشكل الجديد سيكون له حصاد وفير في صناديق الاقتراع، بل إن المفاجأة قائمة بقوة، رغم محاولات الحد من الانهيار بالإقدام على تنقيح القانون الانتخابي ليمنع تقدم قوى جديدة تسيطر على نوايا التصويت.
هذه التقلبات أفرزت نتائج عدة، منها أن الطبقة السياسية، التي سادت تونس في السنوات الأخيرة، بدأت تتآكل وتضمر ولم تعد تقنع بأنها قادرة على مواكبة تطلعات الشارع. وبسبب هذا التبرم الشعبي، أصبحت كل الأحزاب، من مختلف التيارات، تعاني من أجل الحفاظ على مواقعها، وحتى حركة «النهضة»، التي يتوهم البعض أنها متماسكة وقوية، ليست كذلك على الإطلاق بالنظر إلى المؤشرات الأولية، وبسبب مشاركتها في السلطة في أغلب الحكومات التي جاءت بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي عام 2011. ولا تختلف حركة «الجبهة الشعبية» المجمعة للقوميين واليسار عن سابقاتها، إذ تصدعت بدورها من الداخل وتكاد تندثر ككتلة، ما يجعلها كالأحزاب الآنفة الذكر تواجه مصيراً مجهولاً.
الاحتمال الأكبر في الانتخابات التونسية المقبلة أن قوى «جديدة» ستظهر بقوة على الساحة، جمعت كل الغاضبين و«المغضوب عليهم» من القوى الحاكمة في السنوات الأخيرة، ومن ذلك من يسمون ب «أنصار النظام السابق» الذين يجاهرون بالعداء للإسلاميين ومن تحالف معهم، وهذا السيناريو لا شيء يمنع حدوثه، طالما أن الأحزاب الفائزة باستحقاق 2014 منهمكة في صراعاتها وحساباتها الداخلية، وربما ستظل كذلك حتى تدهمها الانتخابات لتجد نفسها خارج المشهد أو على هامشه في أحسن الأحوال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"