مع العراق ضد الإرهاب والتقسيم

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي
لم يشهد العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 الأمن والأمان والاستقرار، فقد امتلأ بمستنقعات من الإرهاب والعصابات الدولية والمنظمات المتطرفة واستخبارات الدول الأجنبية ومقرّات لقيادات جيوش الدول الخارجية، وتغلغلت في المجتمع أوبئة خطيرة تهدد سلامة الجسد العراقي، ولا سيما التشدد الديني والطائفي اللذين أنهكا الشعب العراقي لأعوام طويلة، وخلّفا الكثير من الضحايا.
الطائفية نشرت الأحقاد والكراهية والتمييز وتهميش أطراف لصالح أطراف وتفكيك مكونات المجتمع الواحد مذهبياً وعرقياً، ولم تصبح المشكلة منحصرة في ضعف الدولة والانفلات الأمني، بل تعدت إلى تفكيك المجتمع العراقي، وخلق العداء بين مكوناته، وانكفاء كل مكوّن على نفسه، ما أدى إلى حالة من الطائفية المزمنة، ودعوات الانفصال، بما يصب في مخطط تقسيم العراق.
حوّل الإرهاب المجتمع العراقي إلى مجتمع مفكك ممزق غير قادر على النهوض بالدولة من جديد، في ظل هذه الظروف، واستخدام إمكانات القوة البشرية ومصادر الطاقة والخيرات وغيرها من المقومات في البناء والازدهار، التي تجمّدت بفعل الإرهاب والطائفية والصراعات الداخلية.
بمساعدة قوى الشر، مارس الإرهاب أبشع الجرائم في العراق من قتل للمدنيين وجرائم الإبادة الجماعية بحق شعب أعزل بريء، واستهدف الجميع دون تمييز لدياناتهم ومذاهبهم وأعراقهم، وهدفهم هو تحقيق مصالحهم سواء مصالح سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وكلها لا تخدم مصالح الشعب العراقي، وكان من المأمول اصطفاف جميع المكونات العراقية لتطهير العراق من الإرهاب والنهوض بإصلاحات شاملة تخدم مصلحة الجميع، إلا أن الإرهاب لم يكن الخطر الوحيد، فقد كانت الطائفية كالأفعى السامة تنفث السموم القاتلة، وكانت حجر عثرة في طريق الوحدة الوطنية، ولولا الطائفية التي وفّرت المناخ المناسب للإرهاب، لاندحر الإرهاب منذ أيامه الأولى.
إن القضاء على الإرهاب يستدعي القضاء على الطائفية، وإنهاء جميع أنواع التمييز سواء التمييز المذهبي أو العرقي، وإحلال مبادئ المواطنة جوهراً وفعلاً، وتقوية الروابط الوطنية بين كافة المكونات، لتحقيق التعايش الوطني الحضاري بينهم.
لم يهتم العالم كثيراً بما كان يحدث في العراق طوال سنوات الاحتلال، إلا بعد أن خلق المنظمة الإرهابية «داعش»، فإذا رجعنا إلى ما قبل «داعش» كان مئات العراقيين يقتلون بشكل شبه يومي، أغلبهم أطفال ونساء بتفجيرات بالعبوات الناسفة أو بجيش الاحتلال الأمريكي، وكان يتم تسويق دعاية مغررة تعتبر التنظيمات الإرهابية في العراق بأنها تنظيمات مقاومة لإخراج المحتل من أراضيها، واختلطت الأوراق، دون تمييز بين حركات المقاومة الحقيقية ضد المحتل والتنظيمات الإرهابية التي كانت تنمو وتترعرع في هذا الجو، وتستغل اسم المقاومة لكسب تعاطف الجماهير. واليوم دول العالم أجمع تصنّف ما يقع في العراق من قبل التنظيمات الإرهابية بأنها أعمال إرهابية شريرة، والشعب العراقي في الأول والأخير هو الذي يدفع الفاتورة الباهظة من دمائه التي تنزف كل يوم.
كان أخطبوط الإرهاب في العراق ينمو يوماً بعد يوم، تحت مرأى ومسمع من القوى الكبرى لغايات مبيتة.
وجود «داعش» في العراق اليوم يؤجج العمليات الإرهابية، ويعمل على نهب خيرات الشعب العراقي، ويستعبد عقول الشباب بأفكار دينية منحرفة، تحرضهم على قتل إخوانهم المسلمين والعرب والإخوة من الشعب الواحد.
شارف عقد مقاولة «داعش» على الانتهاء، وذلك يرجع إلى توقيف التمويل الخارجي لهذه العصابة، واستحواذ الجيش العراقي على مصادر النفط، والتي كانت تعتبر أهم السلع التي كانت تباع عن طريق «داعش» في السوق السوداء، ويبدأ خلف الكواليس التجهيز لمرحلة ما بعد «داعش»، ويبدو أن أهم ملف في المرحلة القادمة تتمثل بالمطالبة الكردية بالانفصال، وهي الخطوة الأولى في مشروع تفكيك دولة العراق، وربما يتبع ذلك ضغوط من قوى كبرى لمنح الاستقلال الذاتي لأكراد العراق بعد القضاء على التنظيم «الداعشي».
مواجهة هذه النزعات الانفصالية بحاجة إلى خطط استباقية، وترتيب البيت العراقي، ووضع سياسات وطنية تحتوي جميع الأطياف دون استثناء، وطرح مشاريع نهضوية استباقية يشترك الجميع فيها، فلا يمكن الاتكال على سياسات الدول الكبرى التي تقول إنها تعارض الانفصال، فما كان ممنوعاً بالأمس يصبح بموجب المصالح مقبولاً بل واجباً اليوم، والملف الكردي في دائرة المتغيرات للدول الكبرى بحسب مصالحها.
للأسف الشديد أصبح العراق مقراً وممراً لميليشيات وجيوش دول مجاورة، وذلك ليس في مصلحة العراق ووحدة ترابه وأهله، بل إن ذلك يهدّد استقرار العراق في الحاضر والمستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"