مفارقة صعود اليمين المتطرف في السويد

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

يبدو أن صعود الشعبوية واليمين المتطرف، بات ظاهرة تعم العالم من الولايات المتحدة إلى بعض دول أمريكا اللاتينية، وصولاً إلى القارة الأوروبية. في هذه القارة العجوز يتقدم هذا اليمين في كل دولها تقريباً، من انتخابات إلى أخرى ليصل إلى السويد نفسها، وهي من أكثر دول العالم ليبرالية وانفتاحاً وتميزاً، بنظامها الاجتماعي ورفاهيتها الاقتصادية.
في الانتخابات التشريعية التي جرت في السويد في التاسع من الشهر الجاري، تصدّر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم النتائج بفارق واضح، على منافسيه الرئيسيين اليمينيّيْن؛ المعتدل والمتطرف منهما، بحصوله على 25,4 من الأصوات، ولكن بتراجع بلغ 5,5 نقاط عن النتيجة التي أحرزها في العام ٢٠١٤، ليسجل بذلك أسوأ نتيجة له منذ أكثر من قرن كامل.
هذا يعني أن الشعب السويدي، الذي سجلت مشاركته في الانتخابات نسبة٨٤،٤% وهي من أعلى النسب في أوروبا بل والعالم، عاقب الحزب الحاكم، ولكن من دون الوقوع في فخ الحمى القومية الشوفينية التي عصفت بالمعركة الانتخابية التي سيطرت عليها مسألة الهجرة والنازحين.
عشية الانتخابات توقعت استطلاعات الرأي، وصول اليمين المتطرف إلى المركز الثاني في المشهد الحزبي والسياسي. وكان زعيم حزب «ديمقراطيي السويد» اليميني المتطرف، جيمي أكيسون، متأكداً من أنه سيحصل على ما بين ٢٠% و٣٠% من الأصوات ليغدو بذلك الحزب الأول أو الثاني على الأقل في السويد.
اعتبر هذا الحزب الانتخابات استفتاء على سياسة الحكومة المتعلقة بالهجرة ودمج المهاجرين في هذا البلد، حيث ١٨% من السكان مولودين في الخارج، والذي تلقى أكثر من ٤٥٠ ألف طلب لجوء منذ العام ٢٠١٢.
وهو على غرار حزب «البديل من أجل ألمانيا»، يرى أن وصول مئات الآلاف من طالبي اللجوء المسلمين ومن خارج أوروبا يشكل «تهديداً ثقافياً».
لم تأت الانتخابات بالنتيجة المأمولة لليمين المتطرف، لكن حزب «ديمقراطيي السويد» استحوذ على نسبة ١٧,٣% فبات في الموقع الثالث، وربما «بيضة القبان» في المشهد السياسي السويدي. هذا الحزب تأسس في العام ١٩٨٨ رافعاً شعارات نيونازية عنصرية، لم يتمكن من تجاوز نسبة الواحد في المئة من الأصوات في الانتخابات، في وقت كان الانفتاح والعولمة وزوال الحدود بين الدول من سمات النظام العالمي.
وفي العام ٢٠٠٥ انتخب جيمي أكيسون، على رأس هذا الحزب، فعمد إلى تغيير صورة الحزب عبر تغيير شعاره واستبداله بالوردة الزرقاء، وتغيير خطابه وسلوكه السياسي فنجح بذلك في دخول البرلمان في العام ٢٠١٠ بنسبة 5,7%؛ أي عشرين مقعداً، ثم حقق تقدماً في العام ٢٠١٤ بحصوله على ٤٩ مقعداً (١٣%)، وواصل تقدمه إلى أن حصل اليوم على 17,3% (٦٣ مقعداً) التي تجعل منه حزباً أساسياً و«صانع الملوك»، بعد فشل كل من اليمين واليسار التقليديين في الحصول على الخمسين في المئة من مقاعد البرلمان الضرورية لتأليف الحكومة، كما قال زعيمه الذي أعلن: «نحن الفائزون الأكبر في هذه الانتخابات (..) سنمارس نفوذاً حقيقياً على السياسة السويدية».
بالنسبة لعدد المقاعد (٣٤٩) في الريكسداج (البرلمان السويدي)، حصل ائتلاف «الأحمر الأخضر» اليساري الحاكم على ١٤٤ مقعداً، في مقابل ١٤٣ لائتلاف المعارضة المعتدلة من اليمين والوسط. وفي هذه الحالة، فمن المتوقع الدخول في مفاوضات صعبة لتشكيل الحكومة الجديدة، والتي على ما يبدو سيُستبعد اليمين المتطرف منها؛ لأن كل الأحزاب الأخرى وضعت عليه نوعاً من «الفيتو» أو «الحجر الصحي»، برفضها مجرد الكلام معه.
لقد قدم رئيس الوزراء الاشتراكي ستيفان لوفن، هذه الانتخابات على أنها «استفتاء على دولة الرفاه»، وأدان «قوى الكراهية»، داعياً السويديين إلى «البقاء في الجانب المشرق من التاريخ». أما زعيم المحافظين أولف كريسترسون، فقد دعا إلى «تعاون يتجاوز الخطوط الحزبية لعزل القوى التي تسعى للانطواء».
لقد خسر رئيس الوزراء الكثير من الناخبين على يساره ويمينه في الوقت نفسه. فقد برر فتح الحدود أمام المهاجرين باسم «أوروبا التي لا ترفع الجدران»، قبل أن يتراجع أمام الانتقادات ليعلن عودة الرقابة على الحدود.
تستحق الحالة السويدية اهتماماً خاصاً من المحللين الساعين لفهم الحركات الشعبوية. فالمفارقة أن السويد تحافظ على صورة البلد التقدمي الليبرالي ودولة الرفاه، حيث لا يعاني الاقتصاد مشاكل؛ بل يحقق نتائج جيدة بحسب كل الدراسات.
هذه الحالة تدحض التحليلات التي تربط ما بين الأزمات الاقتصادية والصعود الشعبوي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"