ملك الشاشة

على الوتر
02:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

يرفض الفنان يحيى الفخراني السير في الركب، ويعشق العزف منفرداً على وتر الهمّ الإنساني والهمّ المجتمعي، وهو ما ينعكس على أعماله بحالة من التميز والاختلاف عن السائد والمألوف، والنتيجة أننا أمام فنان يصر على أن يفاجئ الناس ويأخذ عقولهم وقلوبهم في كل عمل يقدمه، وإذا لم يجد النص الذي يحقق له ذلك يؤثر الغياب، أو يطل عبر مسلسل كرتوني يشبه أعماله الروائية في القيمة والحرفية، مثلما فعل العام الماضي من خلال مسلسل قصص الحيوان في القرآن الذي يستكمله هذا العام بحلقات قصص الإنسان في القرآن، وأعتقده سيقدم لاحقاً قصص الأنبياء في القرآن، كأنه مرتبط بتعاقد غير مكتوب مع الصغار والكبار على ألا يقدم سوى ما ينفع الناس، ومرتبط بتعاقد آخر مع المجتمع، على أن يثبت لمن يتخذون موقفاً ضد الفن أنه رسالة هادفة إذا أردنا ذلك، وأيضاً رسالة هادمة لدى من يريدها كذلك .

يحيى الفخراني إذا عثر على نص جيد فلن يقدم سوى عمل شديد التميز، وهو فعل ذلك هذا العام من خلال مسلسل الخواجه عبدالقادر ليؤكد أنه ملك الشاشة الذي يعرف جيداً خفايا وأبعاد لعبة الدراما، وبقدراته وإمكاناته يستخرج أفضل ما في جعبتها، كما أنه يعرف أيضاً قيمتها ومدى تأثيرها في الناس، وبالعمل الجيد يمكن نشر الحب والمودة وكل القيم الجميلة، التي تكاد تختفي في زمن الكراهية والأنانية والحقد وكل ما هو سيئ .

في مسلسل الخواجة عبدالقادر نحن أمام فنان متجدد، متمرد على ذاته، داعٍ لتطهير النفس من كل الشوائب، وأمام شخصية درامية مملوءة بالخير، ولا تعرف سوى العطاء، وترفض الانصياع والانقياد، ولا تقبل بالظلم ولا بالنفاق ولا الرياء، وأمام عمل درامي يحارب التطرف والتعصب ويدعو إلى التسامح بين الأديان، وأمام مسلسل مختلف في القضية التي يطرحها، والرسالة التي يحملها، بالصورة التي ترسمها مشاهده على الشاشة، وملامح أبطاله، ولهجة البطل ولغة الصمت التي تفصل بين المشاهد والزمنين اللذين تدور فيهما الأحداث وما بينهما من تناقضات واختلافات .

وفي النهاية، نحن أمام مسلسل يمكن تصنيفه على أنه دراما صوفية تدعو للحب وتمنح مشاهدها درساً في الزهد، أو دراما سلوكية تغوص في أعماق النفس البشرية، أو دراما اجتماعية بظلال تاريخية، ولنخلص من كل ذلك بنتيجة واحدة وهي أنها دراما متميزة، أياً كان تصنيفها، يمكن قراءتها بأكثر من رؤية وتحتمل العديد من التفسيرات والتحليلات .

وإلى جانب هذا العمل المتميز يطل أيضاً يحيى الفخراني بصوته من خلال كرتون قصص الإنسان في القرآن ليقدم تفاصيل بعض القصص الواردة في القرآن الكريم عن الإنسان لتكون دروساً إيمانية للصغار والكبار، وشتان ما بين هذا العمل وذاك .

التميز ليس بالأمر الجديد مع الفخراني الذي ارتبط مع الناس رمضانياً منذ العام 1979 عندما قدم أبنائي الأعزاء شكراً، وبعدها بعامين قدم صيام صيام، وتوالت أعماله وشخصياته التي جمعت الناس في ليالي الشهر الكريم التي حضرت في الذاكرة ولا يمكن نسيانها مثل سليم باشا البدري في ليالي الحلمية وعبدالمتعال محجوب في لا وربيع الحسيني في نصف ربع الآخر وبشر عامر عبدالظاهر في زيزينيا، وجابر مأمون نصار في للعدالة وجوه كثيرة والدكتور مصطفى الصلالي في سكة الصلالي وحمادة عزو في يتربى في عزو وعبدالبديع الأرندلي في ابن الأرندلي وهمام في شيخ العرب همام، وأخيراً هربرت أو الخواجة عبدالقادر في الخواجة عبدالقادر .

بعض الفنانين يحرصون على التواجد الدرامي بعد أن خذلتهم السينما، والبعض يتواجد حتى لا ينساه الناس، والبعض لأجل لقمة العيش، ولكن الفخراني يتواجد لأنه عاشق للدراما وواعٍ لأبعادها ودورها ومستوعب لكل تفاصيلها، ولأنه كذلك، فإنه يشكّلها ويلاعبها حتى يصل إلى أفضل لوحة ممكنة من خلالها .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"