ممر دولي ليس مُلكاً لدولة

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

هدد وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، الولايات المتحدة ب«العواقب» إذا ما استمرت في سياستها القاضية بوقف تصدير النفط الإيراني. وقد ورد ذلك في مؤتمر صحفي عقده ظريف في نيويورك يوم 24 أبريل الماضي. لم يوضح رئيس الدبلوماسية الإيرانية العواقب المقصودة. لكن تصريحاً سابقاً لرئيس الجمهورية حسن روحاني بمنع تصدير النفط من المنطقة عبر مضيق هرمز يكشف جانباً من هذه التهديدات التي يطلق عليها ظريف تسمية «عواقب». والمقصود بمنع تصدير نفط المنطقة، هو التحكم في الممر المائي المعروف بمضيق هرمز. ويتضح من تصريح كل من روحاني وظريف أن العواقب الإيرانية لا تقتصر على الولايات المتحدة بل تمتد لتشمل «المنطقة».
وقد استرعى الانتباه أن ظريف قد اختار وجوده في أمريكا كي يوجه عرضاً ل«كسر الجمود» وذلك بدعوته إلى تبادل إطلاق سجينتين إحداهما أمريكية في المعتقلات الإيرانية، والثانية إيرانية حبيسة سجن أسترالي وبحقها طلب تسليم إلى الولايات المتحدة. وهو عرض يبسّط إلى حد بعيد حجم الخلافات الإيرانية مع الولايات المتحدة وكذلك مع المجتمع الدولي ومع «المنطقة»، ويجعل بداية حلها منوطة بالإفراج عن سجينة هنا وأخرى هناك. وذلك بدلاً من الاعتراف بعمق المشكلات الواجبة الحل، والتي تتعلق أساساً بالنزعة التوسعية لدى طهران.
ولا شك أن التصعيد هو سيد الموقف. ولا يماري المرء في التسليم بأن العمل على وقف تصدير مورد أساسي لدولة ما، يشكل تصعيدا، غير أن هذا الأمر يرتبط بحجم كبير من الخلافات الجدية بين الطرفين، وما كان للتصعيد الأمريكي أن يلقى آذانا صاغية لولا أن شطراً كبيراً من دول العالم بما فيها عدد كبير من دول «المنطقة» لديها خلافاتها الجدية مع طهران. وحتى في وقت كانت تجنح فيه العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى التهدئة، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، مثلاً فإن دول المنطقة ومعها دول أخرى في العالم كانت تتحفظ بشدة على السلوك الإيراني القائم على نزعة تدخلية وإنشاء ميليشيات محلية موسعة في عدد من البلدان تدور في فلك طهران وتتلقى منها الدعم والتمويل والتسليح.
وواقع الحال أن محاولة التأثير في مرور نحو خُمس إنتاج النفط في العالم عبر مضيق هرمز، سوف يؤدي إلى دفع الوضع نحو مزيد من التعقيد، ويهدد بمواجهات تضاعف الأزمة بدل السعي لوضع حل لها. ذلك أن مضيق هرمز يعتبر من الممرات الدولية، ولا يحق لدولة واحدة التحكم به، أيا كان موقعها الجغرافي وذلك بمقتضى الاتفاقية الدولية لقانون البحار الموقعة في العام 1982.
يدرك المرء أن التهديدات التي تجنح إلى المبالغات الكلامية هي جزء من الذخيرة التعبوية والدعائية في طهران من قبيل «إزالة إسرائيل عن الوجود»، وأن التلويح بإغلاق الممر المائي هو جزء من هذا النهج، غير أن إطلاق هذه الحملات يبقى عاملا من عوامل تسميم الأجواء ورفع درجة التوتر وتعميق مشاعر عدم الثقة، خاصة أن طهران تستسيغ دائما التلويح بمواجهات تجعل من«المنطقة» مسرحا لها، وعلى حساب أمن دولها. ومن الجلي أن الأمور ستبقى للأسف وعلى الأمد المنظور ماضية على هذا النحو، ما دامت طهران ترى أن قوتها تكمن في النفوذ المباشر خارج حدودها، وأن من «حقها» تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى، وحيثما استطاعت الاختراق والوصول. وها هي الآن تحاول دفع الوضع نحو حافة الهاوية، وهو ما يستثير أعداداً بلا حصر من دول العالم وهيئاته، ولن يكون مجديا الحديث عن تصعيد أمريكي كأساس الأزمة، إذ أن السياسات الخارجية الإيرانية برمتها قائمة على التصعيد، وهي أساس المشكلة التي لا تجد حلا حتى الآن، وذلك لرفض إيران أن تتحول إلى دولة طبيعية في المنطقة.
وفي غضون ذلك، فإن طهران لن تجد حليفا لها بإيصال الأمور إلى نقطة حرجة تمس بأمن الآخرين، وبالاقتصاد الدولي. ولن يبدو الأمر كحالة دفاع عن النفس، حتى وان بدا ظاهريا وشكليا كذلك، فالسياسة المعتمدة والقائمة على التدخلات وبسط النفوذ بالقوة، ومباشرة التوسع، ليست من قبيل الدفاع عن النفس، بل هي سياسة هجومية تقفز عن مرتكزات القانون الدولي.
هل هناك دول أخرى تعتمد مثل هذه السياسة؟ نعم هناك دول أخرى على هذا الغرار منها الدولة العبرية، لكن ذلك لا يسوغ لإيران ولا لتلك الدول الاستمرار في تلك السياسات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"