من لم يقتل عرفات!

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

يُثار كل سنة في ذكرى استشهاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات التي تصادف في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، سؤال وحيد: من قتل ياسر عرفات؟
كان عرفات في سنته الأخيرة من الحصار الاحتلالي رهين محبسين: الأول حصار الاحتلال له، والثاني حصار الحاشية من حوله. وكلنا نعلم أن الاحتلال بدأ في استخدام وصف الإرهابي لعرفات بعد ثباته على موقفه في مسألتي القدس وتفجر الانتفاضة الثانية، حيث قال في مفاوضات كامب ديفيد للأمريكيين عندما طلبوا منه التنازل عن بعض أجزاء القدس، إن من يتنازل عن القدس سيقتل. ويبدو أن من لا يتنازل عن القدس يقتل أيضاً من قبل المطالبين بالتنازل، كما هو حال عرفات.
وقد استطاب «الإسرائيليون» انطلاق تعبير الإرهاب من واشنطن بعد تفجيرات نيويورك، وبدأوا في استخدامه لوصف عرفات، وحينها لم يهب أي من المحيطين بعرفات للرد على الهجمات الإعلامية «الإسرائيلية» الأمريكية؛ لأن أول من وصف عرفات بأنه عقبة في طريق السلام هو بيل كلينتون، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد، كما صمت كبار مساعديه عن الرد، وكأنهم يقدمون أوراق اعتمادهم للمستقبل، وكأن عرفات انتهى طالما غضب عليه الأمريكيون ثم «الإسرائيليون». عرفات ظل حبيس مقره المدمر، لكنه في النهاية كان أسيراً ينفض مساعدوه عنه مبكراً، وبينما كانت مائدته تعج بالضيوف، صار موظفو مكتبه يطلبون من زوار عابرين ومعارف البقاء للانضمام إليه على مائدته المتقشفة التي لا يستسيغ طعامها من سمّنهم وصنعهم من الحاشية والكبار.
كان بعض هؤلاء يشتمونه بعد الخروج من مكتبه وقد ضاقوا به ذرعاً؛ لأنه لا يساوم وقد لا أستثني أحداً إلا القلة. أما الذين يتباكون عليه الآن، فهم من كانوا يحلمون بالخلاص منه، على الرغم من أن الخلاص جاء بيد الاحتلال وليس بيدهم بطريقة لم تترك أثراً ولا تشير إلى الفاعل، وهذا ما نشر في الصحف العبرية قبل اغتياله بسنة.
ظن قتلة عرفات أن اغتياله سيضع حداً للمشروع الوطني الفلسطيني؛ لأنه هو أبو الفكرة وصاحبها، وهو الذي قالها مذ كان طالباً في الهندسة في مصر، عندما أجرى أول انتخابات لطلبة فلسطين، وقال لهم: «من هنا تبدأ مسيرة إقامة الدولة الفلسطينية». وقد خاب ظن القتلة لأن ما رفضه عرفات لن يقبل به أحد من بعده، وكأنه رسم بدمه خطاً أحمر لا يستطيع أحد مهما كان أن يتجاوزه. وعندما أشير إلى كارهي عرفات لا يعني هذا أنهم شركاء في الاغتيال، لكنهم تخاذلوا في حصاره وتركوه نهباً للمؤامرات وحيداً بلا سند، مثلما هدده الأمريكيون في آخر أيام كامب ديفيد، وقالوا له إن لم تقبل بما يعرض عليك، فإنه سيرفع عن الطاولة بعد انتهاء رئاسة كلينتون، وستجد نفسك وحيداً لا أحد يتصل بك، وحولك دم كثير في منطقة خارطتها قابلة للتغيير.
فالسيناريو الذي قيل في كامب ديفيد تحقق بالكامل، فحوصر عرفات وكان وحيداً، وحوله دم كثير، ولم يكن يتصل به أحد، حتى في القمة العربية تم قطع خطابه بحجة فنية.
استشهد عرفات وما زال البحث العقيم جارياً عن اسم الأداة المنفذة، بينما تكتم العالم على الجهة المدبرة بأمر من دول كبيرة ارتأت أن الكشف عن السبب أو الفاعل سيعقد مجريات القضية الفلسطينية مستقبلاً، وقد تم دفن عرفات دون تقرير طبي يشير إلى سبب وفاته.
فالرجل الذي وهب حياته كلها طفلاً وشاباً وعجوزاً مقاتلاً من أجل قضيته، كان يعي أنه عرضة للمؤامرات في كل يوم، وساعدته حاسته السادسة في النجاة من الاغتيال مرات عديدة؛ لأنه كان يمثل مشروعاً وطنياً. والسؤال الآن: ماذا بقي من مشروع عرفات؟ في ظل تغييب الحق في إقامة دولة وفي ظل الانقسام، حيث تخشى حم اس من إحياء ذكراه وفي ظل الضعف في حركة فتح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"