موريتانيا وقطار الديمقراطية

03:56 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

اجتازت موريتانيا بهدوء تجربة انتخابية لاختيار رئيس جديد، بعدما قرر الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز الاكتفاء طواعية بولايتين اثنتين، وتسليم السلطة لجيل جديد، ممثل في وزير الدفاع محمد ولد الغزواني المدعوم من الأغلبية الحاكمة، والمحسوب على النظام وابن المؤسسة العسكرية التي نفذت منذ الاستقلال سلسلة من الانقلابات.
العبرة في التجربة قبل النتيجة، وقد يكون الاقتراع الرئاسي الذي أقبل عليه الموريتانيون لا يستجيب لشروط الديمقراطية الكاملة، لكنه مؤشر على توجه تختاره البلاد بعد سنوات من التعرض للانتقادات والتشكيك في نوايا السلطة. أولى النتائج المسجلة أن الرئيس ولد عبد العزيز أوفى بوعده عندما قرر عدم خرق الدستور والترشح لولاية ثالثة وفتح المجال للكفاءات الأخرى للمنافسة على أعلى منصب في البلاد. والنتيجة الثانية أن الشهادات الأولية لم تقدم طعوناً جوهرية في سير عملية الاقتراع التي شابتها أخطاء، مثل كل تجربة، بيد أنها أخطاء لا ترقى إلى مستوى التزوير المفضوح. أما النتيجة الثالثة، فإن موريتانيا وضعت قدمها في موكب الديمقراطيات العربية الناشئة، دون أن تعمها الفوضى أو تعرف أوضاعاً عاشتها دول أخرى ولم تخلّف غير الخراب.
بعض المعارضين الموريتانيين سيسارعون إلى التشكيك في النتيجة النهائية أو رفضها كلياً. ومن يتبنى هذا الموقف ربما ينطلق من وجهة نظره وليس تعبيراً عن حالة واقعية. أما سياسياً، فسيعزز إجراء الانتخابات بهذا المستوى وفي هذا الظرف استقرار البلد ويمنح السلطة الثقة المحلية والدولية لمتابعة جهود التنمية الصعبة ومواصلة تنفيذ الإصلاحات السياسية والاجتماعية. وبعد الإعلان عن فوزه، أكد ولد الغزواني استمراره في نهج الرئيس المنتهية ولايته بالعمل على تحقيق الرهانات المطروحة، ومنها الدفاع عن الاعتدال والوسطية والحذر من نشاط المتطرفين داخل البلاد وحولها. فقد نجحت موريتانيا، خلال سبع سنوات، في الحفاظ على أمنها من التهديدات الإرهابية، خصوصاً من جهة جارتها الشرقية مالي التي شهدت حرباً فرنسية على الجماعات المتطرفة، كما نأت بنفسها عن الاضطرابات التي سادت الفترة الماضية، رغم أن أطرافاً دولية كانت تخطط لتفجير «ثورة» في موريتانيا على غرار ما حدث مغاربياً في ليبيا.
التجربة الموريتانية تعزز انتعاش الحقوق والحريات في المغرب العربي، فبعد أن توقف قطار الديمقراطية لسنوات في تونس ثم في المغرب، ها هو يصل إلى موريتانيا قبل أن يتوجه إلى محطته التالية في الجزائر. وواضح أن شعوب تلك المنطقة استفادت من أخطاء الماضي، وتريد أن تتخلص من استبداد الديكتاتوريات وثقافة الحزب المهيمن، لتفتح صفحات جديدة سواء داخل البلد الواحد أو بين أقطار المجموعة. وبعبارة أخرى، فإن الاتحاد المغاربي، الذي ظل أشبه بالمومياء القديمة، ربما تعود إليه الروح ويستعيد نشاطه لتحقيق تطلعات الأجيال المتعاقبة في التكامل والوحدة. وإذا كانت الأنظمة السابقة عنوان الفشل بسبب أمزجة القيادات المتناقضة، فإن انتشار الديمقراطية والاحتكام إلى الشعب، يمكن أن يساعد على تدارك ما فات وتكون الفائدة للجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"