موعد مؤجل مع المتاعب

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الاتجاه للابتعاد عن أزمات وحروب الشرق الأوسط إحدى قضيتين فقط تحظيان باتفاق شبه كامل بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي

لم يعد أمام الإدارة الأمريكية متسع من الوقت للقيام بأي دور فعال، أو حتى إبداء الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط، وربما غيره من قضايا العالم، في الفترة القليلة المتبقية على انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. حيث فرضت كارثة كورونا نفسها على جدول أعمال الرئيس، والإدارة، والكونجرس، وهيمنت بالطبع على اهتمامات ومشاعر الشعب الأمريكي، كغيره من الشعوب. وعندما تهدأ، أو تتوقف المقصلة التي تحصد عشرات الأرواح يومياً، لاسيما في نيويورك، سيكون الوقت المتاح للحملة الانتخابية محدوداً للغاية. والأغلب أن جدول أعمالها، ومناظراتها، ومعاركها ستدور حول الوباء كقضية أولى، إن لم تكن وحيدة. والمزاج العام الأمريكي لا يريد، ولا يحتمل متابعة مناظرات تتحدث عن قضايا العالم.

وكما ستفرض الأزمة نفسها على الحملة الانتخابية، ستكون أيضاً بكل تداعياتها، ودروسها الأليمة، على رأس أجندة الإدارة المقبلة، سواء نجح الرئيس الحالي، أو فاز منافسه. وستضيف «كورونا» دافعاً آخر يعزز الاتجاه المتنامي في واشنطن نحو الانكفاء على الذات، والاهتمام بالشأن المحلي، كأولوية تستحوذ على الموارد، والطاقات، بدلاً من استنزافها لحل مشاكل الآخرين.

وسيكون الشرق الأوسط بحروبه، وأزماته، في مقدمة الأعباء التي تسعى الولايات المتحدة للتخفف منها، وهو اتجاه لم يبدأ في عهد الرئيس الحالي فقط، بل منذ عهد سلفه، باراك أوباما. ولن يسمح الناخب الأمريكي بإهدار طاقات بلاده في الخارج، بعد أن راعه مستوى البنية التحتية في مجال الصحة، وعجزها عن إنقاذ أرواح الآلاف في بلاده.

ويكاد يكون الاتجاه للابتعاد عن أزمات وحروب الشرق الأوسط، إحدى قضيتين فقط تحظيان باتفاق شبه كامل بين الحزبين الجمهوري، والديمقراطي. والقضية الأخرى هي ضرورة بلورة استراتيجية شاملة لمواجهة التنافس مع القوى الكبرى، أي روسيا، والصين، باعتباره التحدي الأكبر أمام مستقبل الزعامة الأمريكية للعالم.

وقبل أيام، أصدر معهد ريجان للأبحاث السياسية مجموعة أوراق بحثية تلخص ما دار في ندوة استضافها، وأكدت ضمن أشياء أخرى أن الشرق الأوسط هو أحد أهم جبهات التنافس بين واشنطن، وخصميها الكبيرين. كما بلورت ملامح استراتيجية جديدة في المنطقة توازن بين اتجاهين متعارضين، هما تخفيف الالتزامات الأمنية والاقتصادية، من ناحية، والحفاظ على المصالح الأمريكية وعدم الانسحاب الكامل، من ناحية أخرى، مع ضمان حصار النفوذين الروسي، والصيني.

وتوصي الأوراق باستحداث منظومة أمنية جديدة، لاسيما في مياه الخليج، معتبرة أنه ليس من الطبيعي، في ظل تراجع اعتماد أمريكا على نفط المنطقة، أن تتولى بمفردها حراسة الممرات البحرية لصادرات النفط المتجهة إلى الصين. بمعنى آخر وفقاً لما يقول أحد الباحثين، يجب أن تنتهي حماقة «الركوب المجاني» للصين، إذ يبدو الأمر كأنها تكلف أمريكا بتأمين مصالحها (أي مصالح بكين)، وحماية تجارتها مع المنطقة من دون أن تدفع شيئاً.

والصيغة المقترحة هي المسؤولية الأمنية الجماعية بمشاركة الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والهند، وحلف الأطلنطي، تحت القيادة الأمريكي،ة وبشرط أن تقتصر مشاركة الصين وروسيا على الدوريات البحرية، ولا يسمح لهما بإقامة قواعد دائمة.

ومع التسليم بتراجع الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، فهناك توافق عام على أن الانسحاب الكامل غير مطروح، لوجود مصالح مهمة يجب تأمينها، في مقدمتها مكافحة الإرهاب، وتأمين إمدادات الطاقة للحلفاء.

ولكي يتحقق ذلك يجب زيادة الاعتماد على الحلفاء الإقليميين، وتطوير قدراتهم للدفاع عن أنفسهم. وكما تقول الأوراق، فإنه لكي يتسنى لهم القيام بهذا الدور يجب عليهم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، بضغط من واشنطن التي عليها إبلاغهم، بوضوح، أنها لا تستطيع مساعدة الدول التي لا تريد أن تساعد نفسها.

ولم تحدد الأوراق طبيعة الإصلاحات المقترحة، ومن البديهي أن يكون هذا عنواناً مثيراً لفصل مملوء بالمتاعب في ملف العلاقات العربية الأمريكية لم يحن موعده بعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"