نتنياهو في طبعته الجديدة

05:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا أحد يعلم على وجه التحديد الأهداف الحقيقية التي تريد حكومة نتنياهو الجديدة تحقيقها، فهذا الخليط السياسي العجيب الذي تشكّل بعد أسابيع من المساومة القائمة على الانتهازية والتنازلات المشبوهة من قبل مختلف التشكيلات السياسية الصهيونية، تضع المنطقة والعالم برمته أمام حكومة لا يمكن توقع نمط وأسلوب تحركاتها المستقبلية، ومن ثمة فإنه من غير المستبعد أن تلجأ هذه الحكومة بتشجيع أو بضغط من وزير حربها الجديد، المعروف بمواقفه العدائية للعرب ولمسار التسوية السلمية، إلى تصعيد الموقف العسكري على خط التماس مع دول الطوق العربي . لقد أكد وزير الدفاع الجديد في لقاءاته وتصريحاته أنه لا يجب البحث عن حل للصراع مع الفلسطينيين والعرب، لأنه بكل بساطة يعتبر أن هناك مشكلات لا يمكن أن نجد لها حلاً، بل يتوجب البحث بشأنها عن طريق آخر يدفع الخصم إلى الخضوع والتسليم بالأمر الواقع، لاسيما أنه يعتقد أن شعار الأرض مقابل السلام الذي رُفع في بداية عملية السلام مع الفلسطينيين في التسعينات من القرن الماضي، تحوّل تباعاً إلى شعار الأرض مقابل الإرهاب قبل أن يصبح مرادفاً لمقولة الأرض مقابل الصواريخ .

الحقيقة أن حكومة نتنياهو في طبعتها الجديدة لا تريد بديلاً عن الشعار العملي ولكن غير المعلن، الذي ارتضته لنفسها منذ قيامها، المتمثل في السلام مقابل الاستيطان والاحتلال؛ لأنها في واقع الأمر مازالت مقتنعة أن إسرائيل لم تُحقّق حتى الآن كل طموحاتها المتعلقة بالتراب والأرض في المنطقة . ونزعم أن التطورات الإقليمية الحالية تزيدها اقتناعاً أنها لم تحصل بعد على كل ما تستحقه من جغرافيا تكون في مستوى ما تراه امتداداً هائلاً للتاريخ بالنسبة لأبناء إسرائيل، هذه الحالة من انعدام التوازن ما بين تجليات التاريخ ومعطيات الجغرافيا في أبعادها السياسية والاستراتيجية، هو ما يؤرّق النخب السياسية والفكرية في تل أبيب ويدفعها إلى التمسك بحلم إسرائيل الكبرى .

من الواضح من ناحية أخرى، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فهم جيداً الرسالة التي أرادت تشكيلة حكومة نتنياهو الجديدة أن توصلها له، لذلك فقد حرص حرصاً شديداً على ألا يثير، في زيارته إلى الأراضي المحتلة، حفيظة وغضب مستقبليه، فجاء خطابه يوم الخميس الماضي أمام حشد من الشباب والطلاب الإسرائيليين، مملوءاً بالبلاغة الفارغة، وبعيداً كل البعد عن الروح البراغماتية والواقعية التي تميّز العقلية الأمريكية . لقد قال أوباما لمستمعيه كلاماً جميلاً وانتقى كلمات كان يعلم جيّداً أن معانيها لا تحمل مرجعيات حقيقية داخل المجتمع الذي كان يريد أن يخطب ودّه . وكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين، عندما استرسل في كيل المديح للديمقراطية الصهيونية، التي يعلم جيداً أنها أكثر سوءاً وعنصرية من ديمقراطية السادة والعبيد في أثينا . أجل كان أوباما يعلم علم اليقين وهو يختار بعناية مفرداته، أن المستوطنين ينظرون إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم يمثلون مشاريع مستقبلية لإرهابيين مفترضين، لأن الذي يتربّى على العقيدة العنصرية لا يمكنه أن ينظر إلى الآخرين بوصفهم أناساً مساوين له في الحقوق، ويمكنهم أن ينعموا مثله بالأمن والسلام .

لقد استنسخ نتنياهو نفسه للمرة الثالثة، لكنه بات يعلم جيداً أن مستقبله السياسي بدأ في الأفول، لأن الذي يبني استراتيجيته على التطرف سيجد دائماً من يُزايد عليه في مواقفه ويذهب بمعادلة التطرف إلى حدودها القصوى، فالوقائع تشير إلى أن دعم الاستيطان في إسرائيل لم يعد امتيازاً لطرف دون آخر، ولم يعد بالتالي حكراً على الأحزاب الدينية دون العلمانية، لأن الصهيونية كما الكفر ملة واحدة . لقد قبل نتنياهو على مضض أن يُدخل في حكومته الحالية سياسيين شباباً يتمتعون بالطموح والجاذبية الإعلامية في أوساط الجمهور الإسرائيلي، ومن ثمة فهو يعلم جيداً أن الائتلاف الذي شكله يتسم بهشاشة بالغة، ويمكنه أن يصل إلى مرحلة الانفجار عندما يواجه صعوبات جدية على المدى القريب .

ويمكن القول في هذه العجالة، إن نتنياهو لا يكترث كثيراً لمصير حكومته الجديدة بقدر ما يحرص على أن يظلّ الرئيس الفعلي للحكومة الحالية أو حتى المقبلة، وعليه فإن المتابعين للشأن الإسرائيلي لا يستبعدون أن يلجأ مجدداً إلى التحالف مع الأحزاب الدينية، من أجل الاحتفاظ بمنصبه، في صورة ما إذا تعرّض طاقمه الحالي للتفكك والانشطار . أسباب ذلك عديدة يأتي في مقدمها اعتقاده الراسخ، أنه بات يعيش آخر فصول خريفه السياسي ويتمنى ألا يكون مصيره مشابهاً لمصير وزير حربه السابق إيهود باراك . لا غرو إذن أن نتنياهو هو في اعتقادنا ديكتاتور من نوع خاص، ولكنه يفتقد إلى كاريزما وجاذبية الديكتاتوريين؛ ولا يمكنه في كل الأحوال سوى أن يكون طاغية من دون طغيان على المستوى الفردي، لأنه يقود مجتمعاً مهووساً بالطغيان من رأسه إلى أخمص قدميه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"