نشر الـ«هاشتاغات» بين الضجة الإعلامية والتأثير الفعلي

04:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة عبد الله تريم

في عام 2007 رأى الـ«هاشتاغ» أو بالعربية «الوسم»، النور على موقع تويتر، وذلك رغبة من مؤسسيه في ضرورة توفير منصة للعالم بأسره، يمكنهم من خلالها التعبير عن آرائهم، بحيث تصبح وسيلة لتنظيم النقاشات وتسليط الضوء بقوة على بعض المواضيع. وتوصل العالم ببطء، ولكن بثبات، إلى تفهم حقيقة أن وضع علامة مربع «#» أمام كلمة واحدة، أي كلمة، يمكن أن تغير اتجاهها من همسة وحيدة على الإنترنت إلى صرخة مدوية يصل صداها لملايين المتابعين. أصبح عمر «الهاشتاغ» الآن تسع سنوات، واستطاع أن يدمج نفسه في عالمنا، بحيث تسلل بشكل مريح جداً إلى جميع أشكال وسائل الإعلام الاجتماعية، وحتى وجد مكاناً له في أنماط الكلام، ما أعطى للباحثين متسعاً من الوقت لدراسة الآثار الحقيقية للهاشتاغ، ولقياس أفضل الردود الملموسة فيما يتعلق بشعبيته.
في حين نشهد بشكل يومي تقريباً المساعدة التي يقدمها «الهاشتاغ» في رفع مستوى الوعي، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الحد الأقصى لحياة أي «هاشتاغ» تمتد إلى ما يقرب من أسبوعين. وهذا يطرح سؤالاً، هل مدة أسبوعين كافية لأجل حل قضية، مهما كان حجمها؟ وهل يمكن أن يحافظ على قوته حتى يخترق الجدار الإلكتروني لإحداث تغيير في العالم الحقيقي؟
في العامين الماضيين، شهدنا انتشار الكثير من «الهاشتاغات» بين الملايين من المستخدمين بسرعة فائقة. مثلت أكثر هذه «الهاشتاغات» موضوعات مهمة للغاية، وأدت دوراً جيداً في إبراز القضايا التي تحدث في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فإن تأثيرها خارج أسوار الإنترنت بالكاد كان يذكر في بعض الأحيان، بل وحتى أنه لم يكن موجوداً. في لغتنا العربية أطلقنا على هذه الظاهرة كلمة «وسم» و لكن بالمعنى الحقيقي للكلمة، فإن وسَمَ أحد شيئاً وضع علامة لا يمحوها الزمن، ولكننا نرى اليوم بأن الوسم يختفي أثره في غضون أسابيع، فتغيرت الكلمات وتجددت المعاني بين عالم افتراضي وآخر على أرض الواقع.
شهد هذا الشهر الذكرى السنوية الثانية لواحدة من القضايا التي انتشر «هاشتاغها» على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. فقد تم إنشاء هاشتاغ «أعيدو إلينا فتياتنا» #BringBackOurGirls بعد قيام جماعة بوكو حرام الإرهابية باختطاف 276 طالبة من مدرسة في نيجيريا. تردد صدى هذا «الهاشتاغ» في جميع أنحاء العالم، حتى وصل إلى البيت الأبيض، حيث نشرته سيدة أمريكا الأولى ميشيل أوباما للتأكيد على حجم هذه المأساة. عامان مرا على عمر «الهاشتاغ»، ولم يحقق أي نجاح في إعادة هؤلاء الفتيات البريئات اللواتي ما زلن تحت رحمة هذه المجموعة المتطرفة الهمجية، لأن هذه الفقاعات الإلكترونية التي تنفجر في غضون أسبوعين لا يتوقع منها أبداً أن يحدث صداها تغييراً مادياً في عالم يحتاج إلى أكثر من «تغريدة» لحل المشكلات وتصحيح المظالم.
في الولايات المتحدة تصدر «هاشتاغ» #BlackLivesMatter كافة منصات وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن قتل جورج زيمرمان مراهقاً أمريكياً بريئاً من أصل إفريقي، يدعى ترايفون مارتن، وقد تمت تبرئته من جريمته. ظهر «الهاشتاغ» نتيجة الغضب من أن حياة الأمريكيين من أصول إفريقية ليست ذات قيمة في نظر النظام القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد اشتعال هذا «الهاشتاغ» بعامين استمرت المعاناة حيث رفضت هيئة المحلفين الكبرى اتهام ضابط أبيض يدعى تيموثي مانز وشريكه في قضية إطلاق النار على أمريكي من أصل إفريقي يبلغ من العمر 12 عاماً، يدعى تامير رايس، وذلك بسبب عدم وجود أدلة على سوء السلوك الإجرامي كما أوضحت الهيئة. وتماماً مثلما فشل «الهاشتاغ» في إعادة الفتيات النيجيريات، فإنه فشل أيضاً في جعل حياة الفئة المهمشة ذات أهمية.
خلال قصف الاحتلال «الإسرائيلي» المدنيين في غزة عام 2014 ظهر «هاشتاغ» #IsraelisATerroristState أي «إسرائيل» دولة إرهابية». حظي بالملايين من المتابعين من جميع أنحاء العالم، غير أن حصره في عالم الإنترنت لم ينجح في إنقاذ حياة أكثر من ألفي مدني فلسطيني أو وقف الغارات الجوية «الإسرائيلية» التي استمرت في إسقاط القنابل على غزة لمدة 8 أسابيع.
لا تكمن المشكلة في «الهاشتاغ»، بل في فكرة أن مساهمة واحدة في نشر «الهاشتاغ» تنهي مسؤولية المستخدمين تجاه هذه المسألة بالذات. فتصبح وسيلة لإراحة الضمير تجاه الفظائع الحقيقية التي تحدث من حولنا، لأنه في تلك اللحظة التي نوجه فيها منشوراً داعماً في عالم الإنترنت نحدد فكرة أننا براء بطريقة أو بأخرى من خطايانا، لأن الصمت خطيئة و«الهاشتاغ» اليوم الأداة الأقوى لكسر هذا الصمت. تمتلك «الهاشتاغات» القدرة في انتزاع رد من نفوسنا غير المبالية بشكل أو بآخر، ولكن للأسف، تكون كسولة، وجبانة، تلك الردود التي لا تتطلب منا التحرك في الواقع الفعلي. إن نشر «الهاشتاغ» لا يعالج الأمراض، ولا يطعم الجياع، ولا يصنع ما أهمله القانون. تصلح «الهاشتاغات» لبيع المنتجات لا القيم، لذلك في المرة القادمة، إذا حركتك أي قضية، لا تنشرها فقط على الإنترنت، بل اخرج، وحاول أن تفعل شيئاً لأجلها على أرض الواقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"