نصف الكأس المملوء في 2017

02:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في ختام كل عام تسهب وسائل الإعلام في رصد وتحليل أهم ما شهده من أحداث وتطورات، وهو نفس ما فعلته في نهاية العام المنصرم الذي حظي بنصيب وافر من أوصاف سلبية تليق بما حفل به من مآس وحروب دامية.
لم يمر العام الماضي بسلام، حملت شهوره وأيامه الكثير من الأنباء المزعجة عن فظائع وأهوال كان لمنطقتنا العربية نصيب وافر منها. استمرت الحروب في اليمن والعراق وسوريا، وسقط الآلاف من المسلمين الأبرياء في جرائم عنصرية يندى لها الجبين في ميانمار. وحبس العالم أنفاسه وهو يراقب التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. وتحولت الحرب في أوكرانيا إلى أزمة مزمنة بين الشرق والغرب، بينما تواصل سيناريو الأزمات حول إيران وبسببها. وازدادت الأوضاع تعقيداً في أفغانستان وباكستان وليبيا وجنوب السودان. وفوق ذلك كله واصل الإرهاب الأسود حصد أرواح الأبرياء في العالم.
رغم كل تلك الكوارث والأزمات بقي هناك من يرى أن ثمة جانباً آخر مضيئاً من الصورة خلف سحب الدخان المتصاعد من نيران الحروب المشتعلة، وبعيداً عن زئير المدافع وأنات الضحايا وانين المكلومين تومض من بعيد نقطة ضوء مشرقة رصدها بنظره الثاقب صحفي أمريكي يدعى نيكولاس كريستوفر اعتبر خلافاً لكل أقرانه أن عام 2017 كان أفضل الأعوام في تاريخ الإنسانية.
هذه الرؤية الوردية عبر عنها كريستوفر في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، وفيه أوضح بالأرقام والبيانات لماذا يرى الجانب المملوء من الكأس، بينما يرصد الآخرون النصف الآخر الفارغ لأنهم لا يتنبهون إلى الأنباء الطيبة المتوارية خلف كل ما هو سيئ ومزعج ومحزن.
فإذا كان العام الماضي قد شهد العشرات من الحروب والأزمات، فقد سجل في الوقت نفسه تراجعاً كبيراً ومبشراً في معدلات الفقر والأمية والأمراض والوفيات الناجمة عنها. في ذلك العام أصبح من يعانون الجوع والعوز أقل من أي وقت مضي في التاريخ. وتراجعت أعداد من يعانون تشوهات جسدية بسبب الجذام، ومن يفقدون أبصارهم بسبب الأمراض أو يتعرضون لأوبئة مهلكة.
ووفقا لإحصائيات البروفيسور ماكس روزر الخبير الاقتصادي في جامعة أكسفورد البريطانية والمسؤول عن موقع «عالمنا في أرقام» فإن عدد من يعيشون فقراً مدقعاً أو تحت خط الفقر (أقل من دولارين يومياً) يتراجع على المستوى العالمي بواقع 217 ألف شخص يومياً. وفي كل يوم أيضا يحصل 325 ألف إنسان على الكهرباء و300 ألف شخص يصبح بوسعهم يومياً الحصول على مياه شرب نظيفة.
وتوضح قاعدة البيانات التي يعدها روزر أنه في الخمسينات من القرن الماضي كان ثلثا الآباء يفقدون أحد أطفالهم قبل سن الخامسة بسبب المرض، وهذه المأساة اختفت تقريباً. وفي الستينات أيضا كان أغلب البشر يعانون الأمية والفقر المدقع، بينما تراجعت النسبة من تعداد كوكبنا حاليا إلى 15% بالنسبة للأمية و10% للفقراء. وخلال 15 عاما ستكون النسبة للفئتين في أقل مستوياتها تاريخياً.
الأرقام المبهجة كثيرة ولا يمكن حصرها ومنها ما يتعلق بوفيات الأطفال التي تتراجع بصورة متواصلة. وتكفي الإشارة هنا إلى أنه منذ 1990 تم إنقاذ حياة أكثر من مئة ألف طفل بفضل التحصينات، وعلاج الإسهال، والرضاعة الطبيعة وغيرها من الإجراءات الوقائية والعلاجية البسيطة.
السؤال المهم هنا هو لماذا تطغى الأنباء السيئة على مثل تلك التطورات الطيبة؟ الإجابة كما يقدمها هذا الصحفي الأمريكي المتفائل، وهو للعلم متخصص في تغطية الصراعات والحروب، هي أن الإعلام لا يركز إلا على الكوارث والحروب. وبعبارة موجزة يقول «نحن لا نتحدث عن الطائرات إلا عندما تسقط، بينما لا نشير قط إلى إقلاعها». إنها الصحافة الباحثة عن المتاعب والجالبة لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"