هل أدركتْ أوباما شيخوخة سياسية مبكرة؟

03:47 صباحا
قراءة 4 دقائق

ظل هناك اعتقاد أن واشنطن قد تحد من تصلبها وتقيدها بمواقف الاحتلال الإسرائيلي بخصوص عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، لكن الرئيس أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة،كان جريئاً وواضحاً بالانحياز إلى تل أبيب . ولعل موقف الرئيس الديمقراطي هو أكثر ما يلفت الانتباه في مسلسل المواقف الدولية إزاء هذه المسألة .

كشف هذا الموقف لسيد البيت الأبيض عن تراجع غير منظم في مواقفه حيال قضية الشرق الأوسط التي سبق أن أعلنها في حملته الانتخابية، وحتى خلال السنة الأولى من ولايته . يستذكر الجميع أنه أوفد مبعوثه جورج ميتشل إلى المنطقة، لكن الرجل انسحب بعد مضي نحو عام على مهمته، بعد أن ووجه برفض صهيوني لوقف الاستيطان . وقد كان هذا الوقف مطلباً أمريكياً حينذاك . لقد عنى ذلك في حينه أن المفاوضات الأمريكة الإسرائيلية قد فشلت . وقد أقدمت الإدارة بعدئذٍ على تراجع مشين عن مطلبها هذا الذي يتعلق بإجراءات أحادية لتغيير معالم الأرض المحتلة، بما برهن على أن إدارة أوباما قد التحقت بمواقف أمريكية تقليدية، تشجع الاحتلال واقعياً على مواصلة الاستيطان، وبما يغلق الطريق أمام المفاوضات وأمام فرص إقامة دولة فلسطينية .

لقد تخلى باراك أوباما صاحب خطاب جامعة القاهرة (يونيو/ حزيران 2008) عن نفسه، من دون أن يرف جفن أو تختلج عضلة في وجه الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، والذي لم يتميز فحوى خطابه بشيء في هذا الخصوص عن خطاب نتنياهو، ولكأنما أصبح الرجل عضواً في حزب الليكود . داعياً، ضمناً، مستمعيه إلى أن ينسوا خطاباته السابقة كما نسيها أو تناساها هو . لقد خرج بذلك الحل السحري الداعي إلى المفاوضات طريقاً أوحد لقيام الدولة . ويتناسى أوباما أن واشنطن نفسها فشلت في التفاوض مع تل أبيب . وأن حكومة صديقه الجديد نتنياهو تستخف بالعقول، كما تهزأ بالحقوق حينما تضع تجميداً مؤقتاً للاستيطان يستغرق بضعة أشهر كأقصى تنازل، وهو تجميد أريد به تشريع استئناف الاستيطان وتثبيت ما هو دائم في الأذهان، مقابل ما هو مؤقت لشهور .

إذا كان أوباما يعتقد أن التفاوض هو الحل السحري وبالمطلق لكل المشكلات، بصرف النظر عن بيئة وضمانات التفاوض، فلماذا لم تتفاوض إدارته مع طالبان في أفغانستان، ولماذا لم يتم التفاوض مع معمر القذافي؟ علماً أن الفلسطينيين تفاوضوا لأكثر من عشر سنوات مع محتليهم، فكانت النتيجة أن تل أبيب تنّصلت من استحقاقات اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 وحافظت على الزحف الاستيطاني كالتزام وحيد لها . يعرف أوباما أن جرائم كثيرة يمكن أن ترتكب تحت ستار من الاستعداد للتفاوض، وهذا هو بالضبط جوهر سلوك الاحتلال الإسرائيلي، فهو يدمر كل شيء فيما هو يتشدق بالاستعداد للتفاوض، وقد فعل ذلك مئات المرات . وها هو يرغب في مصادرة المزيد من الأرض وكسب المزيد من الوقت، فيلقى ثناء عاطراً من أوباما . هل لهذا الأمر المفزع من مغزى؟ نعم، إنها العودة إلى التواطؤ المشين مع الاحتلال، لتجويف السلام وتفريغه من كل معنى، تحت وابل من الكلام اللطيف عن حق الفلسطيين في إقامة دولتهم، والذي يقترن ب حق الإسرائيليين في سلب أرض هذه الدولة، تحت غطاء من مفاوضات مزعومة لن تنتهي .

إنها لعبة قديمة ولفرط تكرارها فهي سمجة، حتى لو كانت تتضمن جديداً من قبيل أن الرئيس أوباما هو الذي يلعبها هذه المرة وليس سلفه بوش الابن . ومن المفارقات أن اللاعب الأمريكي الجديد يتغنى في الأثناء وبحماسة منقطعة النظير بالربيع العربي، ويُنكر في الوقت ذاته وجوب ممارسة أي ضغط على المحتل، كي يتمتع شعب عربي يرزح تحت الاحتلال بالحرية . ذلك أن الدولة مرهونة لديه بالمفاوضات أي بالقبول الإسرائيلي لها، وهكذا فإن على العالم كله أن ينتظر مع الفلسطينيين، قبول الذئاب بأن تكف عن مهاجمة ضحاياها كمدخل وحيد لإحلال السلام . إنه منطق لا يأخذ به حتى رسامو مسلسلات الكرتون التلفزيونية .

ما يتعين أن يعرفه الرئيس أوباما، أن مواقفه هذه تثير سخط الرأي العام واشمئزازه في سائر الدول العربية، وخاصة القطاعات العريضة التي تؤمن برسالة الربيع العربي، والتي تشارك في صنع التحولات الجارية، حتى لو لم تجد صديقاً دولياً موثوقاً في واشنطن .

لا جديد أمريكياً في ما يطرحه أوباما، باستثناء أن الرئيس الشاب قد أدركته شيخوخة سياسية مبكرة، وأنه ينقضُ بجرأة لا يُحسد عليها الوعود التي طالما أطلقها من قبل، والالتزامات التي دأب على التعهد بها، ولا يتوانى عن الوقوف مع الشيء وضده في استخفاف لا حد له بذكاء الآخرين، وذلك من أجل مصالح انتخابية تتعلق به هو وحزبه الديمقراطي، وانصياعاً للمؤسسة الأمريكية التقليدية التي تضع مصالح الاحتلال الإسرائيلي قبل وفوق المصالح الوطنية الأمريكية . فهنيئاً له وقد بات موضع إعجاب المستوطنين الغزاة في الأراضي المحتلة، وحليفاً موثوقاً لأشد التيارات تطرفاً وعنصرية في تل أبيب، وبضع مدن أخرى في عالمنا .

ولا يجد المرء في هذه المناسبة ما يضيفه سوى دعوة الرئيس أوباما إلى إعادة قراءة خطاباته في حملته الانتخابية وخلال السنة الأولى من حكمه، لعله يدرك أنه إذ يضمن بعض المصالح التي تخصه، فإنه في الوقت ذاته خسر نفسه وخان روحه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"