هل باتت الحرب الإقليمية وشيكة؟

04:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

منذ بداية الأزمة السورية لا ينفك الرئيس أوباما يعطي الدليل تلو الدليل عن عجز القوة الأعظم وضعفها وترددها . قد يعزو المراقب ذلك الى أن أعداء الولايات المتحدة هم الذين يتقاتلون في ما بينهم فيقتلون بعضهم بعضاً بكل أنواع السلاح المشروع منه والمحرّم، فلماذا تتدخل لإنقاذ أعدائها؟

هذا صحيح، لكن أوباما وضع خطاً أحمر، لا يستطيع التفرج على انتهاكه من دون تدخل، على ما هدد مراراً، هو استخدام السلاح الكيميائي . وقد تم انتهاك هذا الخط مرات عديدة كانت واشنطن تجد في كل مرة منها عذراً لعدم التدخل . وبدا الأمر وكأن أوباما ندم على الكلام عن هذا الخط الأحمر .

لكن حيال ما حصل في 12 أغسطس/آب المنصرم، في الغوطة، بات السكوت يشكل إهانة لمصداقية ومكانة القوة الأعظم ورئيسها . من هنا اعلان هذا الأخير عن قراره بمعاقبة النظام السوري وإرساله لهذا الحشد من البوارج والسفن

الحربية الى المتوسط وسعيه الى تشكيل تحالف دولي كبديل عن الأمم المتحدة المهددة بالفيتو الروسي- الصيني .

إزاء تردد أوباما وتراجعه عن تنفيذ تهديداته غير مرة يتساءل المراقب: مم يخشى الرئيس الأمريكي الذي بات المراقبون يصفونه بعبارات مثل المحارب المتردد أو الضعيف أو الجبان أو المهزوم الخ . . . لاسيما بعد أن أعلن في 13 أغسطس/آب الماضي عن اللجوء الى الكونغرس للحصول على تأييده لتسديد ضربة عسكرية محدودة للنظام السوري عقاباً له على استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين . هل يخشى تهديدات هذا النظام الذي أعلن بأنه سيرد على الهجوم؟ أم تحذيرات طهران وموسكو؟ أم التكاليف السياسية والاقتصادية لعمل عسكري غير مضمون العواقب؟ أم وقوع حرب اقليمية واسعة يصعب توقع نتائجها منذ اللحظة .؟

المؤكد أنه من الناحية العسكرية تملك الولايات المتحدة القدرة على تسديد الضربات للنظام السوري من غير المخاطرة بجندي أمريكي واحد، والرئيس أوباما أكد مراراً وتكراراً على محدودية الضربة المزمعة التي لا تهدف الى تغيير النظام في سوريا ولا حتى التأثير على ميزان القوى القائم . وفي هذه الحال فما حاجته الى حلفاء، مثل بريطانيا التي انسحبت في اللحظة الأخيرة أو أوروبا المنقسمة على نفسها؟ ولم اللجوء الى الكونغرس والدستور يخوله قيادة عمليات محدودة؟ لماذا التردد وفي الوقت نفسه هذا الحشد للأساطيل في المتوسط؟

الاستعدادات العسكرية الأمريكية تبدو وكأنها لحرب طويلة مفتوحة مع أعداء أقوياء أكثر منها في مواجهة نظام بات الجميع يتوقع ردوده بعد تلقي الضربات، لاسيما تلك التي لا تهدد وجوده .فهل يخشى الرئيس أوباما الانزلاق إلى أتون حرب اقليمية واسعة؟

مثل هذه الحرب لا تبدو أنها على وشك الوقوع . فالنظام السوري لا يملك لا الإرادة ولا القدرة على الرد . وطهران أكثر عقلانية وبراغماتية من أن تجازف بخوض حرب واسعة لم تقرر هي ساحتها وتوقيتها، دفاعاً عن نظام حليف لن يسقطه الهجوم الأمريكي المحدود . والموقف الروسي يبدو وكأنه تكيف مسبقاً مع نتائج الضربة ليس فقط لأنه أعلن عدم انخراطه في الحرب بل لأنه في عز الاستعدادات العسكرية الأمريكية يتذرع بسبب مالي سخيف ليعلن تأجيل تنفيذ صفقات سلاح مع سوريا . هذا ليس تصرف من سيدافع عن حليفه السوري بما أوتي من قدرات . أما عن حزب الله فهو لا يملك أن يتخذ بمفرده القرار بفتح معركة مع إسرائيل من دون تنسيق مع طهران التي ما من سبب يدفعها للمخاطرة بحليفها الذي لا تسمح له ظروفه اللبنانية الصعبة بخوض حرب ستكون أعنف وأخطر من حرب يوليو/تموز 2006 .

لا مصلحة لأحد في نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق، فلماذا هذا الخوف الأمريكي إذاً؟ القول إن أوباما نفسه يكره الحروب وهو كان من السياسيين النادرين الذين وقفوا ضد حروب سلفه جورج بوش لا يكفي لتفسير هذا التردد . الأرجح أن أوباما يخشى من أن يعمد نتنياهو إلى استغلال دخان الهجوم الأمريكي على سوريا كي يفجر حربه الخاصة التي طالما سعى اليها ووجه برفض أمريكي حازم: الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية . في هذه الحالة ربما تجد واشنطن نفسها منخرطة في حرب لم تخطط لها ولم تردها في هذه اللحظات، وأوباما الضعيف لن يقوى على ترك حليفه الإسرائيلي وحيداً في الميدان لا سيما إذا نجح هذا الأخير في حبك سيناريو ما لمثل هذه الحرب ووضع الجميع، مثل الكونغرس وايباك والبنتاغون، أمام الأمر الواقع .

هذا الاحتمال ممكن لكنه، هو الآخر، يعاني مكامن ضعف . وبالتالي يمكن القول إن الحرب الإقليمية، رغم طبول الحرب التي نسمعها وقرقعة السلاح، ليست وشيكة الوقوع والنظام السوري سوف يواجه الضربة الأمريكية، على الأرجح، ببيان هو نسخة عن البيانات التي اعتاد إصدارها غداة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"