هل تصمد الإصلاحات في مصر؟

01:01 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي

إقبال الأجانب على السوق المصرية كان بسبب الهزّة التي طالت عملتها بطريقة جذبت ما تسمى «الأموال الساخنة» إلى السوق المحلية، حيث لا يمكن اعتبار ذلك شهادة ثقة «دولية» في عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر
لاحظ المراقبون تغيّب المستثمرين الأجانب عن مزادين أسبوعيين متتاليين لسندات الخزانة في مصر مؤخراً، وتحديداً بعد فترة من ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار. واعتبر ذلك تراجعاً مفاجئاً للأجانب من الدخول في السوق المصرية بعد أشهر قليلة من إقبالهم عليها، إثر تعويم العملة الوطنية في تدفق نظر إليه على أنه بداية استعادة ثقة في الاقتصاد المصري عموماً.
لكن الواضح أن إقبال الأجانب على السوق المصرية كان أساساً بسبب الهزة التي طالت عملتها بطريقة جذبت ما تسمى «الأموال الساخنة» إلى السوق المحلية المصرية. ولا يمكن اعتبار ذلك شهادة ثقة «دولية» في عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر ضمن اتفاقها مع صندوق النقد الدولي على قرض بنحو 12 مليار دولار.
ومع هدوء فورة الهبوط في سعر العملة يمكن بهدوء، النظر في مسار تلك الإصلاحات وإمكانية صمودها مع كلفتها السياسية/ الاجتماعية.
عندما قررت مصر تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016 كان سعره الرسمي 8.8 وسعره في السوق السوداء يصل إلى 13 جنيهاً للدولار. ومع قرار التعويم هبطت قيمة الجنيه بأكثر من النصف ليصل إلى نحو 19 جنيهاً للدولار، قبل أن يعود ويستقر حول 16 جنيهاً للدولار أو اقل قليلاً. ومنذ مطلع العام 2017 زاد سعر صرف الجنيه المصري بنحو 16 في المئة، ليصبح أكثر عملات العالم نمواً في قيمتها هذا العام حتى الآن.
في تلك الفترة، نشطت المضاربة على العملة للاستفادة من فارق السعر الكبير، وتلك ليست استثمارات حقيقية تسهم في نمو الاقتصاد على المدى المتوسط حتى. لكن ذلك لا ينفي أن فك ارتباط العملة بالدولار، والذي لم يعد البنك المركزي المصري قادراً عليه، كانت له فوائده رغم ما أدى إليه من ارتفاع هائل في أسعار السلع وانهيار الدخل الحقيقي لملايين المصريين.
فعلى مدى أكثر من ثلاثة أشهر، تكاد تكون السوق السوداء لتجارة العملة في مصر اختفت بعد أن أصبحت البنوك تبيع وتشتري الدولارات بسعر يتحدد حسب أسعار السوق ودون تدخل من البنك المركزي في تحديد قيمة العملة الوطنية قسراً. وتحسنت أسعار الأسهم في البورصة المصرية وسوق سندات الدين، وارتفعت النسبة ما بين السعر والعائد للأسهم على المؤشر المصري إلى 11.3 من 7.8 في يونيو الماضي. وارتفعت تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 11.1 في الربع الأخير من 2016 لتصل إلى 4.6 مليار دولار.
ورغم المضاربة، إلا أن قدرة مصر على الاقتراض تحسنت بالطبع ليس بسبب التغير الهائل في سعر صرف العملة نتيجة التعويم، وإنما مع تيقن الأسواق الخارجية من أن السلطات المصرية قادرة على اتخاذ خطوات غير مقبولة شعبياً وتحمّل تبعاتها السياسية من أجل تنفيذ الإصلاحات الضرورية. لذا في نهاية يناير طرحت مصر سندات دين باليورو بقيمة 4 مليارات يورو وكان الإقبال عليها هائلاً لدرجة أن الاكتتاب بلغ ثلاثة أضعاف الطرح.
هذه الحركة التصحيحية في سعر صرف الجنيه قد تستمر حتى تعود به إلى قيمته الفعلية استناداً إلى أساسيات الاقتصاد المصري، والتي يقدرها كثير من الخبراء بأنها تدور حول 15 جنيهاً للدولار مع الأخذ في الاعتبار سعر صرف الدولار نفسه صعوداً وهبوطاً. وهو سعر لا يزيد إلا بنسبة معقولة عما كان عليه سعر الجنيه في السوق السوداء قبل التعويم (13 جنيهاً للدولار).
لكن تلك الحركة التصحيحية ربما لا تعيد بعض المؤشرات المهمة إلى وضع طبيعي بسرعة، ومنها بالأساس مؤشر الأسعار للسلع والخدمات. فقد ارتفع معدل التضخم في مصر إلى 28.1 في يناير، وهي أعلى نسبة منذ نحو عشر سنوات. وإذا كان معدل التضخم لا يستند إلى تقلبات سعر العملة فقط، إلا أن المعروف في مصر أن الأسعار ترتفع بنسب أكثر من تغير سعر صرف العملة ويتحمّل المستهلك العبء الأكبر من تلك التبعات.
وبالإضافة إلى نتائج تعويم الجنيه، أخذت الحكومة المصرية في رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية وفي مقدمتها أسعار الطاقة.
في الوقت نفسه لم يشهد الدخول تحسناً كبيراً يواكب هذه التغيرات، وهذا ربما ما يشجع البعض على توقع أن التضخم سيأخذ في التراجع مع انخفاض الطلب المحلي.
كل تلك المؤشرات يمكن أن تكون مبشرة على المدى القصير، إنما على المدى المتوسط والطويل فيصعب توقع استمرار ذلك التحسن، لأنه مرهون بعوامل أخرى تتجاوز السياسات النقدية والاقتصادية للحكومة المصرية. لكن ثقة المؤسسات الدولية في قدرة السلطات على تطبيق الإصلاحات الاقتصادية تعني توقعات متفائلة. يبقى الخطر الحقيقي هو في قدرة الحكومة على إقناع الناس بأهمية تلك الخطوات، خاصة أن المواطن العادي لا يرى عائداً في الأفق لتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي أو قدرة حكومته على ضبط دفاترها.

كاتب اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"