هل لدينا رأسمال اجتماعي؟

04:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

ارتفعت في الآونة الأخيرة، شعارات التماسك الاجتماعي، والترابط المدني بين أعضاء المجتمع، والحاجة إلى التكافل وتبادل الثقة بين الناس وبمعنى آخر، فإن شعارات هذه الدعوة الحميدة، تصب في مجملها في المفهوم الشامل لرأس المال الاجتماعي، وهو مفهوم يقصد به قدرة الأفراد على التفاعل في ما بينهم، بشكل طوعي، وبغية تحقيق الصالح العام . ولا نقصد هنا التفاعلات السياسية، وإنما التفاعلات الاجتماعية .

ولعل من أبرز مؤشرات رأس المال الاجتماعي في أي مجتمع الثقة المتبادلة، والقدرة على العمل المشترك والجماعي، والمشاركة المجتمعية والتماسك الاجتماعي . ومن دون هذه المؤشرات، فإن المجتمع لا ينجح في حشد قدراته، وتحسين فعالية وكفاءة امكاناته، وتظل عملية التنمية في حالة تعثر وإعاقة، حتى ولو بدت غير ذلك في قشرتها .

وتُعلمنا تجربة المجتمعات الإنسانية التاريخية أن المجتمعات المتقدمة والراقية في عطائها الحضاري، لا تتأسس فقط على قاعدة رأس المال المادي، وإنما على مخزون صحي من رأس المال الاجتماعي، والذي ينهل من معين القيم والأعراف المشتركة بين أفراد المجتمع، ويرتبط بالتواصل الاجتماعي المنظم، والروابط الاجتماعية القوية، والتي تؤسس نسيج المجتمع الأهلي، وتسهم في تحسين الأداء الاقتصادي، وتدفع باتجاه التطوير والإصلاح والتنمية المستدامة .

وفي هذا الإطار، نطرح سؤالاً على المثقفين والمفكرين، حول مدى توفر مخزون لرأس مال اجتماعي في الإمارات العربية المتحدة، في ظل حركة التغيير والتطور، التي جرت في المجتمع خلال العقود الأربعة الماضية .

وإذا وجد هذا المخزون، فما هي محتوياته وتركيباته ومؤشراته؟

يحتاج هذا الموضوع إلى نقاش عام، لإثرائه وفحص مكوناته، وترسيخ دعائمه وتطوير استدامته، وزيادة رصيده . كما يحتاج إلى مسوح واستطلاعات علمية، وبحوث اجتماعية متعمقة لإدراك جوانبه كافة .

إن تكوين رأس المال الاجتماعي، يبدأ من المدرسة، وذلك من خلال بناء روح العمل الجماعي بين الأطفال، والمتمثلة بالكشافة وجريدة الحائط وخدمة الحي الذي توجد فيه المدرسة، والرحلات الجماعية، والفرق الرياضية والأدبية، والجمعيات المتنوعة، وغيرها من الأنشطة والبرامج المستدامة، والتي تزرع بذور الإعداد التربوي للشباب، كي يصبحوا عاملين منتجين، ومواطنين صالحين .

وتتعدد تجليات رأس المال الاجتماعي، لتشمل جوانب حياتنا الصحية والبيئية والتعليمية والثقافية كافة، والتي تكون محصلتها تحسين أحوال المجتمع المحلي، وتحقيق التماسك الاجتماعي والمشاركة المجتمعية، وتوفير مناخ ملائم لعلاقات أفقية تبادلية بين الناس، قائمة على التعاون والتلاحم الأهلي والتعاضد، وزراعة الثقة المتبادلة بين الزملاء والجيران، والسهر على رعايتها وتنميتها .

من جهة أخرى، فإن توفير مخزون كاف ومعافى، من رأس المال الاجتماعي، يمنح مؤسسات المجتمع الأهلي، كما الرسمي، الثقة أيضاً، ويساعد على تطوير منظومة أخلاقية تعاضدية، تجعل المواطنين أكثر قدرة على حل إشكالياتهم، سواء في ما بينهم، أو مع الآخرين، وتوفر بيئة ملائمة لثقافة التماسك الاجتماعي، وثقافة القانون والتسامح والأمل والأمان، والرضا عن الحياة بعيداً عن التشاؤم والإحباط . كما تدفع الفرد نحو الارتباط بهوية جامعة، لا هويات فرعية ضيقة (مذهبية قبائلية طائفية عرقية . . إلخ) .

ومن دون الغوص في أعماق السؤال المطروح، يبدو لنا من الجزء الظاهر من سطح جبل الجليد الغاطس، أو ما نستطيع ملامسته حتى الآن، أن مخزون رأس المال الاجتماعي في الإمارات، مخزون ضعيف، رغم كل المحاولات والنوايا الطيبة لتعظيمه وزيادته .

ومن تجليات هذا الضعف، فقدان الثقة في الانضمام إلى مؤسسات وجمعيات النفع العام الأهلية، والعزوف عن ثقافة العمل التطوعي غير المأجور، وضعف دور المواطن في تنمية مجتمعه المحلي والاتحادي، وقلة تواصله مع جيرانه، وزملائه في المؤسسة الحكومية أو القطاع الخاص، ووجود عوائق في أداء مؤسسات المجتمع الأهلي، وغير ذلك من التجليات السلبية، التي لا تعزز الغيرية والتطوعية .

إن رأس مالنا الاجتماعي، في أمسّ الحاجة إلى رعاية وتغذية، بدءاً من عقد قران حقيقي بين المال والثقافة، في إطار شراكة وطنية وإنسانية اجتماعية، للمحافظة على الهوية ودفاعاتها الباسلة في أصغر حي وتجمع ومؤسسة، وصولاً إلى الموقع الأكبر . . الوطن .

إن من أهم مصادر تكوّن رأس المال الاجتماعي الثقة البينية والتماسك الاجتماعي، وكلاهما يغري الفكر وصانع القرار بمزيد من الحفر، لتعميق الأسس، واجتراح الرافعات لزيادة هذا المخزون .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"