هل هي طبول الحرب؟

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يعيش العالم على وقع التصعيد المتسارع الإيراني الأمريكي. طهران أعلنت عن تخل جزئي عن الاتفاق النووي، وأمهلت أوروبا ستين يوماً كي تلتزم بالاتفاق النووي الذي خرجت منه الولايات المتحدة في مثل هذه الأيام قبل عام. فيما تواصل واشنطن سياسة العقوبات ضد طهران، والتي شملت الأسبوع الماضي قطاع التعدين، وأضافت إلى ذلك تسيير حاملة طائرات وقاذفات مقاتلة إلى الشرق الأوسط، والاستعداد لنشر المزيد من صواريخ باتريوت في المنطقة.
وخلال ذلك دعا الرئيس دونالد ترامب، طهران إلى الحوار، وهي دعوة تأتي في غمرة التصعيد ويُقصد بها دعوة طهران للاستجابة إلى المطالب الأمريكية وليس لتوسيع مجالات التعاون.
وليس بوسع أحد الجزم بما سيؤول إليه التصعيد، وربما حتى في طهران وواشنطن (مع الإدراك بأن صانعي القرارات يضعون سيناريوهات متعددة). فالخلافات الأمريكية الإيرانية، هي قضية دولية بامتياز ولا تتعلق حصراً بالبلدين.
علينا التذكر أن إيران لا تخوض حروباً مباشرة منذ توقف الحرب العراقية الإيرانية عام 1990، وأنها تفضل حروباً بالوكالة. كما تدرك مدى اختلال ميزان القوى بينها وبين الولايات المتحدة.
وأن الوضع الداخلي في إيران ليس متيناً لتحمل أعباء مواجهة بالغة الخطورة.
وأمريكا من جهتها، تتفادى الحروب والتضحية بجنودها، وباستقرار المنطقة، وتؤثر بدلاً من ذلك تشديد العقوبات وتوسيعها. والضغط على حلفاء إيران كما يتبدى في الزيارات التي قام بها وزير الخارجية مايك بومبيو، إلى لبنان والعراق والتي حمل فيها رسائل بضرورة تقييد نفوذ إيران في البلدين.
أجل إن القضية باتت تعني العالم أجمع. ومن الملاحظ أن التصعيد الإيراني بخصوص مراجعة الاتفاق، جاء موجهاً نحو أوروبا وليس باتجاه أمريكا. والهدف هو توسيع شقة الخلاف الأوروبي الأمريكي. غير أن دولاً أوروبية مهمة كبريطانيا وفرنسا، سارعت لتحذير طهران من مغبة التخلي عن الاتفاق، وهو بطبيعة الحال موقف متناقض، ففي حين أن إيران تلوّح بتخلٍ جزئي عن الاتفاق، فإن أمريكا قد تخلت عنه كلياً. غير أن حسم التناقضات أو رفع اللبس، لا يتم في قاعة محاضرات ولا على مائدة تفاوض، بل تحسمه المصالح الهائلة بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وهناك إلى جانب ذلك الصين وروسيا؛ إذ لا تملك واشنطن جذب البلدين الكبيرين إليها، والحرب التجارية ما فتئت تستعر بين واشنطن وبكين، والخلافات الروسية مع واشنطن حول كوريا الشمالية وأوكرانيا وسواهما ما زالت على حالها. وقد أعلن البلدان بصراحة وقوفهما إلى جانب الاتفاق النووي وحمّلا واشنطن مسؤولية الخروج منه. غير أن البلدين لا يملكان في الوقت ذاته الكثير ليفعلاه في الحد مثلاً من العقوبات الأمريكية المتصاعدة والشاملة تقريباً على إيران، وخاصة مع تجاوب أغلبية دول العالم مع العقوبات.
غير أن واشنطن ماضية في سياسة حافة الهاوية بانتظار ما سوف تسفر عنه الضغوط المتلاحقة، ومنها التلويح بالقدرات العسكرية الفائقة في البحار وفي الأجواء ليس بعيداً عن إيران، وإلى أن يظهر موقف يحمل تراجعاً إيرانياً. غير أن طهران ترى في التصعيد فرصة لتمتين الجبهة الداخلية ولإسكات الأصوات المعترضة وتعبئة القوى الحليفة لها لشحذ هممها.
وعلى وقع هذا التوتر تعيش المنطقة وعلى الأغلب أنها ستعيش حتى بقية العام الجاري على الأقل. فترامب قبل سنة الانتخابات عازم على تحقيق إنجاز يجعله مميزاً عن الديمقراطيين والرئيس السابق باراك أوباما، بصرف النظر عن التحقيقات الداخلية بشأن مجريات حملته الانتخابية قبل ثلاث سنوات، وفتح الطريق أمامه إلى ولاية ثانية.
ولنا أن نلاحظ أن هذا التوتير سوف يترافق في الأسابيع المقبلة مع الأصداء الواسعة ل«صفقة القرن» التي ستثير غباراً ساخناً في صيف هذا العام. بما يجعل الاحتمالات مفتوحة، إما لتوجيه ضربات أمريكية لمنشآت حيوية إيرانية؛ حيث إن الدولة العبرية بزعامة نتنياهو مهيئة للمشاركة في مثل هذه الضربات المحدودة والنافذة، بل هي تواظب على المطالبة بها، وكانت هذه من قضايا الخلاف بين واشنطن وتل أبيب في عهد أوباما، وأما لإشعال مواجهة على الجبهة اللبنانية، أو أن يجتمع الاحتمالان معاً بانتظار أن تؤدي هذه التطورات إلى تعديل في المواقف الروسية والصينية، وقبل ذلك في المواقف الإيرانية، والإيحاء بأن ما يحدث ليس حرباً أو مواجهة، وإنما ضربات تحذيرية قوية لا بد منها.
وفي جميع الحالات، فإن على المنطقة أن تحترس جيداً من ارتدادات هذه التطورات؛ إذ إن إيران ترغب دائماً في مواجهات خارج حدودها، مثلها مثل أمريكا وبقية الدول الكبرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"