هل يستحق "الاتحاد الأوروبي" جائزة نوبل للسلام؟

06:11 صباحا
قراءة 4 دقائق

على الرغم من تخبطه في حبائل أزمة مالية واقتصادية مستعصية قد تهدد وجوده، فاز الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام . وقد بررت لجنة نوبل خيارها في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بالقول #187;إن الاتحاد ومؤسسيه أسهموا طوال أكثر من ستة عقود في تدعيم السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا#171; . وأضاف ثوربيون جاغلاد رئيس اللجنة،وهو بالمناسبة أمين عام المجلس الأوروبي، أن #187;الاتحاد لعب الدور المفتاح في تحوّل أوروبا من قارة حروب إلى قارة سلام#171;، وأن الجائزة هي #187;رسالة موجهة لأوروبا كي تعمل ما بوسعها للحفاظ على ما أنجزته وللسير قدماً إلى الأمام#171; .

والحقيقة أن خيار اللجنة النرويجية المكونة من خمسة أعضاء، يختارهم البرلمان النرويجي، قد فاجأ الجميع لسببين: الأول أن البرلمان المذكور يضم أغلبية معارضة للاتحاد الأوروبي . والمعروف أن الشعب النرويجي رفض، في العامين 1972 و،1994 الانضمام لأوروبا، وتقول استطلاعات الرأي إن أكثر من سبعين في المئة من النرويجيين يرفضون انضمام بلادهم للاتحاد الأوروبي . وقد تطور هذا البلد الاسكندنافي خارج أوروبا ليحتل المرتبة الأولى في قائمة مؤشر التنمية البشرية الذي تحدده الأمم المتحدة . أما السبب الثاني فهو أن الاتحاد، وتحديداً منطقة اليورو، يغرق في مستنقع التقشف، بسبب الأزمة المالية، الذي يتسبب باضطرابات اجتماعية عنيفة ويهدد بعودة النزعات القوموية والشوفينية التي طالما كانت سبباً للحروب التي أدمت القارة الأوروبية طوال قرون من الزمن .

لقد بررت لجنة نوبل الجائزة بتشجيع الاتحاد على التطلع إلى الأمام وعدم العودة إلى الوراء تحت ثقل المشكلات . وكانت قد فعلت الأمر نفسه عندما منحت الجائزة للرئيس الأمريكي المنتخب أوباما، تشجيعاً له على الاستمرار في مبادئه وبرامجه المعلنة وعدم التخلي عنها تحت عبء المشكلات والتعقيدات . لكن هل تحقق هذا المراد؟

كما أنه سبق ومنحت الجائزة لمؤسسات مثل #187;معهد القانون الدولي#171; العام ،1940 أو #187;مجموعة خبراء تطور المناخ#171; العام 2007 أو #187;أطباء بلا حدود#171; العام 1991 والأمم المتحدة العام 2001 . وفي كل مرة كانت المنظمة الفائزة ترسل إلى أوسلو ممثلاً لها لاستلام الجائزة، وهي عبارة عن ميدالية ودبلوم وشيك بقيمة 2،1 مليون دولار . بيد أنه في حالة الاتحاد الأوروبي لا نعرف بعد من سيذهب إلى أوسلو في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل، لتسلّم الجائزة . ثلاث شخصيات تدّعي شرعية تمثيله في مثل هذه المناسبة:

- هرمان فان رومبي، رئيس المجلس الأوروبي الذي أنتخبته الدول الأعضاء في العام 2009 أول رئيس للمجلس . وحجته أنه منتخب على رأس المجلس الذي تعبّر فيه الدول عن سياساتها وآرائها . إنه باختصار #187;رئيس الاتحاد الأوروبي#171; وهو منصب مولج بوضع حد للضبابية التي كان قد عبّر عنها هنري كيسنجر بالسؤال: #187;أوروبا؟ ما رقم الهاتف؟#171; .

- جوزيه مانويل باروزو، رئيسة المفوضية الأوروبية منذ العام ،2004 وهي جزء من السلطة التنفيذية الأوروبية، مسؤولة أمام البرلمان الذي ينتخبه المواطنون الأوروبيون .

- مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي الذي يعبّر عن رغبته في الذهاب إلى أوسلو #187;ممثلاً للجهاز الوحيد المنتخب ديمقراطياً من الاتحاد#171; .

وهناك رأي ثالث يقول إن على الثلاثة أن يذهبوا معاً إلى أوسلو من دون أن ننسى رأياً رابعاً تعبّر عنه مفوّضة الشؤون الداخلية في الاتحاد، سيسيليا مالستروم، يقول إنه ينبغي إرسال 72 طفلاً إلى أوسلو لاستلام الجائزة الموجهة إلى المواطنين قبل غيرهم . وقد يكون على لجنة نوبل حل هذه المعضلة عبر توجيه الدعوات المحددة بنفسها .

لقد أرادت لجنة نوبل تصحيح خطأ تاريخي، إذ يتفق المعلقون على أنه بعد المهاتما غاندي بقي المشروع الأوروبي #187;الغائب الكبير#171; من قائمة الحائزين الجائزة . ويقول جان-لوي بولانج، رئيس مؤسسة الوسط الفرنسية، #187;ليست أوروبا من صنع السلام بل إن السلام هو الذي صنعها#171;، إذ لم تكن أوروبا لتستمر في الوجود والتطور لولا ال#187;باكس أمريكانا#171; الذي حماها من المعسكر الشرقي، وذلك بعد ولادة حلف الاطلسي في العام 1949 . لكن أوروبا تمكنت من صنع سلامها الداخلي البيني لتصبح رمزاً للازدهار، وتتمكن من جذب المزيد من الدول لاسيما تلك المتحررة لتوها من الدكتاتورية والاستبداد مثل اليونان، العام 1981 ثم إسبانيا والبرتغال، العام 1986 وصولاً إلى دول المعسكر الشرقي السابق التي التحقت بحلف الأطلسي غداة سقوط جدار برلين، قبل اندماجها في الاتحاد الأوروبي لاحقاً . واذا كان السلام لا يقوى على الاستمرار من دون دولة قانون ومؤسسات وديمقراطية، فإن أوروبا نجحت في الاستحواذ على هذه العناصر فغدت ماكنة للعصرنة والتوحيد .

لكن لا يزال كثيرون في العالم ينظرون إليها على أنها ما بعد - كولونيالية . لذلك يقترح عليها النائب الأوروبي آلان ماسّور بأن تتوجه إلى العالم ب#187;إعلان سلام#171; . فالملاحظ أن لجنة نوبل لم تمتدح سياسة أوروبا الخارجية، بل ركّزت على إنجازاتها البينية الداخلية . وتدل أزمة اليورو على أن تفكك الاتحاد لا يزال ممكناً وإن كانت الإجراءات المالية التي اتخذتها المؤسسات والدول الأوروبية تشي بأن التضامن والتكافل والرغبة بالعيش معاً لا تزال قائمة .

في كل الأحوال برهنت السنوات الثلاث المنصرمة من أزمة اليورو على أن لعبة القوة التي كانت قائمة في القارة العجوز بعد مؤتمر فيينا العام 1851 قد انتهت إلى غير رجعة، لتحل معها لعبة تضامن وتكافل . يستحق الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل لما أنجزه من سلام أوروبي كان يبدو مستحيلاً . لكنه لايستحقها البتة في مجال السياسة الخارجية . فقد عجز عن وقف مجازر رواندا والبوسنة - الهرسك في العقد الأول من تسعينات القرن المنصرم، واشترك في القصف الأطلسي على صربيا ووقف عاجزاً حيال أزمات نشبت في القارة العجوز نفسها ناهيك عن الشرق الأوسط، حيث بيّن عن عجز مدقع حيال الاعتداءات #187;الإسرائيلية#171; المتكررة على لبنان وغزة وفلسطين، من دون أن ننسى انقساماته حيال أزمات دولية عديدة مثل الغزو الأمريكي للعراق . . والقائمة تطول .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"