هل يسعى كيري إلى الرئاسة؟

04:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

ليس غريباً مع ما يبدو من تقلّص حضور النخب السياسية الأمريكية، أن يحضر وزير الخارجية الأسبق جون كيري الذي شغل منصبه طوال الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما، خلفاً لهيلاري كلينتون. والآن وبعد إخفاق كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام المرشح دونالد ترامب، وبعد تراجع حضورها منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإن كيري ( 75 عاماً) يعود مجدداً من باب الاستعداد لنشر مذكراته، وما يتصل بذلك من جولات إعلامية وتصريحات سياسية، وهو تقليد يعتمده كبار الساسة الأمريكيين، ويضيف إليه كيري في هذه الآونة معارضته الشديدة لقيادة ترامب البلاد.
يستذكر المرء أنه فور الإعلان عن فوز ترامب، فقد تم تنظيم مسيرات ووقفات احتجاج فورية في واشنطن، وقد لوحظ وجود كيري بين المحتجين والمحتجّات، وبدا نزول الرجل السبعيني غريباً بعض الشيء، لما تتسم به شخصيته من تحفّظ ونخبوية، يجعل صاحبها بعيداً عن نشاطات جماهيرية تجري في الشارع.
وقد مضى زهاء عام، قبل أن يجدّد كيري حضوره بمناسبة التلويح بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الغربي مع طهران الموقّع في العام 2015 في فيينا. وما أن تم الإعلان رسمياً عن الانسحاب في الثامن من مايو الماضي، حتى انبرى كيري للدفاع عن الاتفاق وإعلان معارضته للانسحاب الأمريكي. ولعل في الأمر بُعداً شخصياً، كون كيري هو من قاد عن الجانب الأمريكي المفاوضات الماراثونية مع طهران، وهو من توصّل إلى الاتفاق مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. وقد واظب على شرح رؤيته ورؤية إدارة أوباما الديمقراطية للاتفاق، بالقول إن الإدارة السابقة كانت تدرك حجم التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة وزعزعتها للاستقرار، ولذلك انبنت خطة أوباما وفريقه على الحؤول دون امتلاك طهران لسلاح نووي أولاً، لكي يتم الانتقال بعدئذ مع إيران غير نووية، للتباحث قي شأن سلوكها في عموم المنطقة.
على أن كيري اعترف بعدئذ أن طهران تمكّنت من استعادة أموال طائلة كانت مجمّدة قبل الاتفاق، ما مكّنها من تمويل أذرعها في المنطقة. وما لم يعترف به الرجل أن الفصل بين الملف النووي والتدخلات الإيرانية، لم يعبّر عن سياسة صائبة. وقد تمسكت طهران من جهتها بهذا الفصل، واعتبرت أن وجودها هنا وهناك أمر واقعي، ينبغي الاعتراف به والتعامل معه، وليس الدعوة إلى وقفه، وهذا فحوى تصريحات متكررة للوزير ظريف.
ولم يتوقف بعدئذ رئيس الدبلوماسية الأمريكية الأسبق عن توجيه انتقاداته الشديدة لموقف إدارة بلاده من الاتفاق، ووصل به الأمر إلى التصريح، بأن «خروج واشنطن من الاتفاق يعكس رغبتها في تغيير النظام الإيراني. وأن تجارب أمريكا في هذا الصدد (محاولة تغيير أنظمة سياسية)، لم تكن ناجحة». ومغزى ذلك حسب كيري، أن الأمر لا يتعلق بمراجعة للاتفاق والاعتراض عليه، بل هو مجرد موقف سياسي سلبي ومناوئ لطهران!. وهو في ذلك، ذهب أبعد مما ذهب الشركاء الأوروبيون الذين شاركوا بالمفاوضات وبالتوقيع على الاتفاق في العاصمة النمساوية، واعترضوا على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، لكنهم كانوا، وبالذات فرنسا، مع ضرورة مراجعة الاتفاق ووضع ملاحق إضافية له.
وبعد مضي أربعة أشهر على الخروج الأمريكي من الاتفاق، وهو ما لقي أصداء إيجابية في منطقة الخليج العربي كونها هي وبحكم الجوار الجغرافي الأكثر تأثراً بالطموحات النووية الإيرانية، إلا أن كيري ما زال يتعامل مع الاتفاق باعتباره «إنجازاً شخصياً» له يصعب التخلي عنه أو تجاوزه. وقد تم الكشف قبل أيام عن لقاءات أجراها كيري لثلاث أو أربع مرات مع وزير الخارجية الإيراني ظريف خلال عهد ترامب الحالي. وقد أثار الكشف عن هذه اللقاءات انتقادات شديدة شارك فيها وزير الخارجية مايك بومبيو الذي وصف الأمر بأنه «غير لائق». وتحدثت، قريباً من ذلك، المتحدثة باسم البيت الأبيض. وذلك لكون ظريف ما زال على رأس منصبه، ولم يكن اللقاء بين مسؤولين اثنين سابقين نشأت بينهما بحكم عملهما علاقة شخصية أو شبه شخصية.
ربما كان كيري يتهيأ لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية بعد عامين. والطموحات الرئاسية ليست بعيدة عنه، فقد سبق أن ترشّح في العام 2004 في مواجهة جورج بوش الابن ولم يحالفه الحظ، وكان آنذاك في مطلع الستين من عمره.. لكنه يثير الآن زوابع سياسية شديدة حوله وفي الأجواء السياسية لواشنطن، وفي وقت تعاني فيه بلاده إعصاراً مناخياً!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"