وثبات الطموح عند أحمد علي العويس (1)

05:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

كانت زيارة أحمد علي العويس رحمه الله حبيبة إلى نفسي وقريبة منها، كما كان مكتبي على مقربة من مكتبه وعلى بعد عشرات من الياردات من شارع الاتحاد المحاذي والمقابل لمطار دبي الدولي.. أو طريق الشارقة كما أسميه أنا وغيري كثيرون، وكان غير عادي أن أرى سيارة أحمد العويس تقف أمام متجره ومكتبه وأنا في طريقي إلى مكتبي المجاور ولا أترجل من سيارتي لأدخل مسلماً عليه ومستمتعاً بالتحدث إليه وإلى من يزوره من ذوي الأديب أحمد، كأخيه سلطان علي العويس، والمؤرخ عمران سالم العويس، وحمد بو شهاب وغير هؤلاء من الأدباء والمثقفين ووجوه الناس.

والتحدث أو الحديث مع الأستاذ الكبير أحمد العويس لم يكن ممتعاً فقط، بل كان مفيداً وفي غاية الفائدة.. فالأستاذ أحمد كان واسع الثقافة وذا فكر وعقل نيرين، وراوية للشعر والأدب العربيين، ومتمكناً منهما ويعرف شواردهما معرفة تزيد ولا تقل عن معرفة أكاديمي متخصص فيهما.. وكان أحمد العويس من أشد المعجبين ومن أكثر الناس رواية لشاعرين عربيين كبيرين هما أبو تمام الطائي وأبو الطيب المتنبي، وكان رحمه الله كثير الإعجاب بأبي تمام، ويفضله على من أتى بعده حتى أبو الطيب، وكان يقول إن أبا تمام ذو ثقافة عميقة، ودراية بثقافة الأمم المحتكة بالعرب كالفرس والإغريق، لم يصل إلى مستواها أبو الطيب.. وكان أحمد العويس يروي لأبي تمام شعراً من الحكم والأمثال التي كان أبو تمام عميقاً فيها.. وكنت أحياناً أعارضه بالقول إن أبا تمام كثير التقعر في المفردات مقلداً الجاهليين من الشعراء، بينما تجد ذلك نادراً عند أبي الطيب الذي يأتي بالكثير من السهل الممتنع، ولكن كانت معارضتي على استحياء لأنني كنت أمام أستاذ مجاراته تصعب على مثلي حيث كنت في منزلة من يأخذ الكثير ولا يقدم غير القليل.

كان أحمد العويس بجانب سعة اطلاعه، كاتباً أديباً وشاعراً يماثل معاصريه وأقاربه كسلطان العويس وصقر بن سلطان وأحمد أمين، ورغم أنه كان مقلاً، لكني أذكر أنه كان ينشر شيئاً من قصائده في مجلة أخبار دبي، وكان نظمه يدل على شاعرية جزلة وتمكن من اللغة الشعرية، وإذا كتب من يؤرخ للأدب فلا ينبغي له أن يضع أحمد العويس في منزلة تقل عن منازل ما ذكرناه آنفاً من الشعراء المعاصرين له.

وبجانب الشعر كان أحمد العويس قاصاً، وكتب قصصاً قصيرة في أخبار دبي، وأعتقد أنه القصصي الأول في الإمارات وليس غيره، بدليل أنه أرسل قصصاً ومقالات إلى مجلة الرسالة المعروفة في مصر عام ،1951 والتي كان يرأسها أنور المعداوي، الكاتب والناقد المعروف، وكان يومها، يعيش أحمد العويس في الهند.. وسوف استشهد في الحلقة القادمة بالرسالة التي بعثها أحمد العويس من الهند إلى الأستاذ أنور المعداوي يخبره بأحواله ويناشده قراءة رسالته ومرفقاتها كمقالة كتبها أحمد العويس تحت عنوان، العالم المرائي، وإسداء ما يراه من نصح وملاحظات..

ومما يؤسف له أن تصل رسالة أحمد العويس إلى مجلة الرسالة وتنشر هذه الرسالة في العدد الأخير الذي أنهت به المجلة صدورها، وكانت خسارتنا نحن أهل الإمارات من عدم قراءة مقالة أديبنا أحمد العويس، لا تقل عن خسارة إيقاف هذه المجلة، مجلة الرسالة، التي كانت علماً من أعلام الثقافة والأدب، ومنارة عالية من مناراتها.. وعندي أن المجلة لو صدرت بعد العدد النهائي لكانت مقالة أحمد العويس ضمن المقالات المنشورة في المجلة، وكنا المستفيدين مما ينشر أحمد العويس من مقالات.. وإذا شاء الله تعالى فإني سأنشر غداً رسالة الأستاذ أحمد العويس وجواب الأستاذ أنور المعداوي عليها، وهاتان الرسالتان منشورتان في العدد 1295 من مجلة الرسالة بتاريخ 1951.. وقد اقتبست عنوان الحلقة من كلام المرحوم الأستاذ أنور المعداوي وثبات الطموح.. عند أحمد علي العويس.

وللحديث صلة غداً إن شاء الله

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"