وداعاً عصر الحرب ضد الإرهاب

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

تكتسب استراتيجية الدفاع القومي الأمريكية، التي صدرت الأسبوع الماضي، أهمية خاصة واستثنائية، ليس لأنها الأولى من نوعها خلال عشر سنوات، ولكن لأنها تدشن عهداً جديداً، فيما يتعلق بنمط وطبيعة علاقات أمريكا مع القوى الكبرى في العالم. والطريقة التي ستدير بها واشنطن هذه العلاقات، وتقييمها لسياسات هذه الدول داخلياً وخارجياً، من حيث تأثيرها في توازن القوى معها.
بصورة أكثر وضوحاً وتبسيطاً اعتبرت الوثيقة أن ما أسمته بالتنافس مع الدول، وليس الإرهاب، سيصبح من الآن فصاعداً المحور المركزي والهدف الأول للأمن القومي الأمريكي. النص بهذا المعنى يحمل تطورين بالغي الأهمية: الأول أن الحرب على الإرهاب كهدف أول للأمن القومي قد انتهت، دون أن يعني هذا بالطبع انتهاء الحرب نفسها. ولكن صانعي السياسة الأمريكية لم يعودوا يرون أن الإرهاب يمثل تهديداً وجودياً لبلدهم. ليس فقط لانحساره بعيداً عن أراضيهم، وتقويض قدرة منظماته في الخارج، ولكن أيضاً لأنه من الخطأ الاستراتيجي الانشغال به والتغاضي عن خطر آخر يمثل تهديداً حقيقياً لنفوذ أمريكا ومصالحها وهيمنتها على النظام العالمي، الذي أوجدته ورعته وتنفرد بزعامته.
هذا الخطر الآخر أطلقت عليه الوثيقة اسم التنافس الاستراتيجي مع القوى الكبرى. وهذا هو التطور الآخر الأكثر أهمية في الوثيقة الجديدة.
تحدد الاستراتيجية المكونة من 50 صفحة، لم يكشف النقاب إلا عن 11 صفحة منها فقط، دولتين تعتبرهما مصدر الخطر، أي المنافستين الأساسيتين، وهما روسيا والصين. ترى أن روسيا منهمكة في انتهاك حدود الدول المجاورة، وتسعى إلى فرض نفسها كسلطة رفض لأي قرار اقتصادي أو سياسي أو أمني تتخذه هذه الدول ولا تراه موسكو مناسباً لمصالحها.
أما الصين فهي وفقاً لما جاء في الوثيقة تستخدم تكتيكات اقتصادية مؤذية؛ لتخويف جيرانها، وتواصل عسكرة بحر الصين الجنوبي. والحديث عن القلق الأمريكي من الدولتين ليس جديداً بطبيعة الحال. الجديد أن يوضع التنافس معهما على رأس أجندة الأمن القومي الأمريكي كتهديد.
لم تنسَ الوثيقة التي أصدرتها وزارة الدفاع «البنتاجون» أن تذكر الدولتين المشاغبتين، أي كوريا الشمالية التي وصفت تصريحاتها وأفعالها بالمتهورة، وإيران التي أكدت أنها تواصل زرع العنف وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفضلاً عن 12 هدفاً حددتها أشارت الوثيقة إلى 3 مناطق تستحوذ على جل اهتمام الأمن القومي، هي منطقة المحيطين الهادي والهندي أي آسيا حيث النشاط الصيني، ثم أوروبا التي يتمدد فيها النفوذ الروسي، وأخيراً الشرق الأوسط لاعتبارات معروفة.
أما الأهداف المحددة، فتدور حول حماية الأراضي الأمريكية، وتطوير القدرات العسكرية والاستخبارية، وتقنيات حرب المستقبل، بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والروبوتات، ودعم قوة الردع أمام القوى المنافسة والمعادية، وضمان الانتصار عليها. كل هذا من أجل ضمان استمرار التفوق العسكري، والهيمنة الدولية، وتعزيز رفاهية الشعب.
وهذه الوثيقة المهمة هي الثانية من ثلاث وثائق أخرى. الأولى أعلنها ترامب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي باسم استراتيجية الأمن القومي، وهي التي اعتمد عليها البنتاجون في تحديد أولوياته الواردة في الوثيقة الحالية. وفي وقت لاحق من العام الحالي تصدر رئاسة الأركان الوثيقة الثالثة باسم الاستراتيجية العسكرية القومية، التي ستشرح كيفية وضع ما جاء في الوثيقة الحالية موضع التنفيذ.
لا يبقى إلا الإشارة إلى بعض الثغرات التي رصدها المتخصصون، ومنها أن الوثيقة أغفلت تحديد جدول زمني محدد لتحقيق الأهداف. ولم تشِرْ كذلك إلى الحروب الجارية التي تخوضها أمريكا في العراق وأفغانستان وسوريا وكيفية التعامل معها. لم تذكر أيضاً شيئاً عن زيادة القوات تنفيذاً لتعهد ترامب.
أخيراً لم تتحدث الوثيقة عن التمويل اللازم لتنفيذ كل هذه الأهداف. وماذا لو رفض الكونجرس التصديق على الميزانية المطلوبة، وهو احتمال يظل وراداً على ضوء الصراع المستعر بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذي يكاد يشل أعمال الحكومة الفيدرالية. لو حدث هذا فستقبر الاستراتيجية في أرشيف البنتاجون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"