ورطة البرزاني

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
قد تسفر الضغوط العراقية والإيرانية والتركية، وغيرها، التي مورست على رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، إلى إجبار الأخير على الانحناء قليلاً أمام عواصف الرفض التي أثارها قرار الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق، لكن أحداً لا يستطيع أن يتوقع عودة الأمور إلى ما كانت عليه بين بغداد وأربيل، أو بين أربيل والعواصم المجاورة لها بهذه البساطة.
فقد فتحت الدعوة إلى استقلال الإقليم التي يتبناها البرزاني، الباب أمام احتمالات صراع قد يكون طويلاً بين الأكراد ومحيطهم، ما يعني أن يتكبد الأكراد الحصة الأكبر من الخسارة، رغم أن البعض قد يرى في الخطوة عامل تحريك لبحث الأزمة الكردية القديمة والمتجددة.

ومع أن خطوة البرزاني بالدعوة إلى الاستفتاء، تم تنفيذها رغم اعتراض العديد من الدول ولا سيما المحيطة جغرافياً بكردستان، إلا أن أي متتبع لهذه القضية يستطيع أن يرى في خطوة البرزاني هذه مغامرة غير محسوبة النتائج، وأن هذه الخطوة قد تزيد من التوتر المتصاعد في المنطقة، وقد تضعف الحرب الدائرة على تنظيم «داعش»، وتشتت القوى التي تخوص الصراع ضده، فضلاً عن الإضرار بالأكراد أنفسهم.
ويبدو من ردود الأفعال الإقليمية والدولية، وحتى التداعيات الداخلية، أن خطوة الاستفتاء، وما قد يتبعها من خطوات، قد تقود إلى إعلان الانفصال عن العراق، وهذا لا يسهم في تقسيم هذا البلد العربي فقط، وإنما قد يدخل المنطقة في صراعات جديدة، لا سيما في ضوء رفض كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران لانفصال الإقليم، وإقامة دولة كردية، فضلاً عن الفتنة التي ستقع بالتأكيد بين الأكراد، الذين هم جزء من المكون الديموغرافي للعراق، وغيرهم من العرب أو التركمان، أو غيرهم، لا سيما في ظل الدعم «الإسرائيلي» المعلن والقوي لانفصال الإقليم.
وتبدو جدية مقاومة فكرة الدولة الكردية من خلال منح البرلمان العراقي تفويضاً للحكومة بنشر قوات عسكرية في كركوك والمناطق المتنازَع عليها، وتنفيذ الإجراءات الكفيلة بنزع الكثير من صلاحيات الإقليم، ومنها تصدير النفط، والمنافذ البرية والبحرية والجويّة، فضلاً عن المطالبة باتخاذ إجراءات تقوّض من نفوذ زعامة الإقليم، ما يعني فشل مراهنة البرزاني على فرض الأمر الواقع، كما أعلن عندما قال: «إن العالم سيعترف بالأمر الواقع»، داعياً الأكراد إلى تأييد الانفصال.
وبنظرة متفحصة لتداعيات الاستفتاء، وما نجم عنه من خطوات عقابية، وتنسيق بات معلناً بين الدول المجاورة، يمكننا القول إن البرزاني وقع ضحية قصور في الرؤية، رغم تاريخه السياسي الطويل، ومعايشته الكثير من الأزمات التي مر بها العراق والمنطقة، حيث اعتقد الزعيم الكردي أن الوقت مناسب لطرح أفكاره التي ظل يعمل لأجلها منذ زمن بعيد، لكن خطوته قوبلت برفض قوي لم يكن يتوقعه، خاصة رفض واشنطن لنتائج الاستفتاء، وهي التي توهم الأكراد دائماً بوقوفها وراءهم لأسباب تكتيكية، ما خيب أمل البرزاني الذي صعد على شجرة، ويبحث عمن يساعده في النزول عنها. فأوضاع الإقليم متفجرة، والحرب على «داعش»، لن تدفع بواشنطن إلى الذهاب بعيداً في تبني المواقف الكردية، كما أن «إسرائيل» رغم دعمها العلني والمباشر للخطوة الكردية، إلا أنها قد لا تغامر هي أيضاً في التدخل في مواجهة، كبيرة قد تتعدى حدود الإقليم الكردي.
وهكذا يبدو أن البرزاني الذي توهم دعماً دولياً، وغربياً تحديداً، لخطوته، سيضطر في نهاية المطاف إلى البحث عن حلول توفيقية مع الحكومة المركزية من أجل حفظ ماء وجهه على الأقل.


نبيل سالم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"