وضع العالم موضع المراقب المترقب

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يبشّر وزير الخارجية الأمريكية جورج بومبيو، بأن الإدارة الأمريكية ما زالت تعمل على صفقة القرن، و«نحن نتقدم في ذلك، وسيرى العالم كله الرؤية التي يمكن أن تحقق السلام في المنطقة، وتحل مشكلاتها». ورد ذلك في المحطة «الإسرائيلية» من جولة الوزير يوم الجمعة الماضي 22 مارس/‏آذار الجاري. والمثير للاهتمام، كما للاستغراب، أن رئيس الدبلوماسية الأمريكية، كما هو حال أركان الإدارة في واشنطن، ينتدبون أنفسهم لوضع خطة لإحدى أعقد القضايا الدولية، مع إقصاء سائر الأطراف المعنية، ووضعها في موقع المراقب والمنتظر لما سوف تجود به واشنطن من رؤى وحلول. وواقع الحال أن هذا الانفراد، سوف يشكل أبرز الأسباب لافتقاد التوازن في الخطة المزمعة، ولتعثرها لاحقاً.
ولنا أن نشير في هذا السياق إلى تصريحات للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل أيام، والتي أعلن فيها أن «القدس خط أحمر، وأن العرب والمسلمين سوف يقفون دفاعاً عن القدس». وكان الملك قد زار واشنطن مرتين خلال مارس الجاري، والتقى كبار المسؤولين في الإدارة وأعضاء بارزين في الكونجرس.
ومغزى ما تقدم، أن الإدارة الأمريكية بصدد إثارة مشكلات جدية مع أطراف في المنطقة، لطالما ارتبطت بعلاقة صداقة وثيقة مع واشنطن، عبر عقود طويلة كحال الأردن، الذي يتوجس من الخطة المرتقبة، كما تشي بذلك تصريحات الملك عبدالله الثاني. ولطالما ردد مسؤولون عرب بأن خطة واشنطن ما زالت طي الكتمان، وأن تفاصيلها لم تعرض عليهم، وإن كانت أنباء متواترة ومتطابقة قد أشارت إلى طلب أمريكي دعماً اقتصادياً للخطة. والغريب حقاً أن تطلب واشنطن مثل هذا الدعم، في الوقت الذي تمتنع فيه واشنطن من جانبها عن تقديم دعم سياسي ودبلوماسي لتفعيل القرارات الدولية بشأن قضية الشرق الأوسط. إذ إن الطرف الوحيد الذي تسعى واشنطن لإرضائه بل ومكافأته هو الطرف المعتدي الذي قام باحتلال أرض الآخرين بالقوة. وقد كان لافتاً أنه بينما يرتفع الحديث عن صفقة القرن، فإن الرئيس دونالد ترامب يغرد عبر تويتر بأنه آن الأوان للاعتراف بما أسماه السيادة «الإسرائيلية» على الجولان! ما يشير إلى أن الصفقة المزمعة ترمي إلى تقديم أكبر مكافأة وأكثرها سخاء إلى المحتل بما يشمل الهضبة السورية المحتلة. وبما يطعن قواعد القانون الدولي، وحقوق الدول والشعوب، ويُشرعن عمليات التوسع والسيطرة.
لقد كان الطريق مهيئاً أمام واشنطن لوضع خطة متوازنة، بالتعاون والتنسيق مع الأطراف المعنية، ابتداء من الطرف الفلسطيني والعربي، وانتهاء بالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبالاحتكام إلى قرارات الشرعية الدولية، غير أن إدارة ترامب ارتأت التنسيق مع الطرف المعتدي دون سواه، وباشرت بتقديم المكافآت له، وبإظهار مواقف عدائية تجاه الطرف الضحية بوقف الدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ثم تجاهل الاعتراضات العربية والإسلامية على الموقف حيال القدس. ومن دواعي الاستغراب أن يرى المسؤولون الأمريكيون أن هذه المقدمات الخاطئة سوف تقود إلى نتائج باهرة! إذ «سيرى العالم كله الرؤية التي يمكن أن تحقق السلام»، كما قال رئيس الدبلوماسية الأمريكية. ويا لها من رؤية لا ترى سوى مصلحة الطرف المعتدي، وتقفز عن الحقوق الأساسية للطرف المعتدى عليه. وليس في ما تقدم أي استباق للأمور، فالمقدمات تشي بالنتائج، والوزير بومبيو كان يطلق تصريحاته «المبشرة» فيما كان يتفقد مع مضيفيه «الإسرائيليين» الأنفاق التي حفرها هؤلاء تحت أساسات المسجد الأقصى، وفي الطرق المتجهة لموقع المسجد، فيما يدلل على أن استباحة أقدس مقدسات مليار مسلم، هو أمر يحظى بقبول أمريكي. وهو ما لم يقع مثيل له في تاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، رغم انحياز تلك الإدارات لتل أبيب.
إن الفرصة ما زالت قائمة لإرجاء الإعلان عن الخطة، وذلك بالتشاور مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، وبتضمينها العناصر التي تكفل لها التوازن والموضوعية، كما تضمن لها رعاية دولية واسعة تصل إلى درجة تبنيها في المحفل الدولي الأكثر أهمية وهو مجلس الأمن. وسوى ذلك فإن هناك خشية جدية من أن تفتح هذه الخطة باباً للفوضى وتشجع المحتلين على المزيد من التطرف، وإطلاق صراع ديني مكشوف حول القدس والمقدسات، مع إطلاق يد الإرهاب على الجانبين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"