وطن قومي كردي على جدول أعمال أربيل

05:44 صباحا
قراءة 4 دقائق

الأكراد يربحون منذ ما بعد غزو صدام للكويت، وذكرى الغزو الثالثة والعشرون للعراق مرت قبل أيام . كان من شأن انتشار القوات العراقية خارج الحدود أن خفت القبضة الأمنية الثقيلة على كردستان العراق، بحكم الأمر الواقع وبتفاهمات مع قوى دولية نافذة تحرر هذا الإقليم من سطوة النظام عليه . منذ ذلك التاريخ يُنظر إلى هذا الإقليم كواحة للاستقرار النسبي ضمن بلاد الرافدين . هذه رؤية العراقيين لا الأكراد فحسب .

الحركة السياسية الكردية استخلصت الدروس من إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية، فاغتنمت كل سانحة من أجل إرساء واقع جديد في الإقليم يتصل بعموم العراق وبالحكومة المركزية في بغداد متى ما كان ذلك مواتياً ومفيدا، ويرتفع الصوت القومي المستقل متى كان الارتباط ضاراً بالمطامح القومية . لقد تم نسج العلاقات مع سائر الأطراف بما فيها دول الجوار بما يخدم المصالح الكردية وليس لأحد أن يؤاخذ الأكراد على ذلك، فذلك من صميم حقوقهم . لنا أن نلاحظ كيف احتفظت الحركة الكردية بعلاقات نشطة مع أنقرة فيما كانت أراضي الإقليم تؤوي مقاتلين لحزب العمال الكردستاني/ عبدالله أوجلان . وكانت أنقرة تلعب اللعبة نفسها: تطارد هؤلاء ولا تقطع حبل الاتصال مع قيادة الإقليم، إلى أن تم التوافق قبل شهور على تسوية تركية مع أوجلان تقضي بإلقاء السلاح، ومنح مزيد من الحقوق للأكراد في تركيا . إقليم كردستان تنفس الصعداء بعد إبرام هذا الاتفاق، إذ بات من المكن التقدم على طرق نيل الحقوق بالجهد السياسي، وبمنأى عن المواجهات المسلحة التي بدأت منذ نحو ثلاثة عقود .

في هذه الأثناء نجحت الحركة السياسية الكردية بجعل إقليم كردستان العراق نواة ونقطة ارتكاز للمطامح القومية للأكراد الموزعين في تركيا وإيران وسوريا . فلما نشبت الأزمة السورية الطاحنة قبل أكثر من 28 شهراً، عرف الأكراد كيف يتعاملون مع هذه الأزمة، فوقفت تنظيمات كردية مع النظام وفصائل أخرى مع المعارضة، إضافة إلى مجموعة من المستقلين الذين نأوا بأنفسهم عن تيارات الأزمة، ووضعوا نصب أعينهم تعزيز أوضاعهم الذاتية، فقاتل بعضهم مع المعارضة وتفاهموا معها، ثم ضد الجماعات الجهادية وتفاهموا موضوعياً مع النظام، وخلال نحو عامين أقرّ الجميع عملياً بالوضع الخاص لمناطق الأكراد في الشمال السوري وبالذات في القامشلي . وأصبح من مصلحة جميع الأطراف الرئيسة تقريباً تحييد الأكراد ومناطقهم، مرة لطمأنة تركيا كما شاءت المعارضة السورية، وتارة للضغط على أنقرة بتأجيج المشاعر القومية لدى أكراد تركيا، كما رغب النظام في دمشق .

المعارك الأخيرة مع الجهاديين تلبي مصالح أطراف متباعدة . دمشق تريد إضعاف هؤلاء والتخلص منهم، والمعارضة (الجيش الحر) تريد التحرر من عبئهم بعد أن سيطروا تقريباً على صورة المعارضة المسلحة، وتركيا لا مصلحة لها ببقائهم أو وجودهم . وهكذا بدت هذه المواجهة مواتية سياسياً وإن كانت تكتنفها صعوبات عسكرية . في الأثناء ارتفعت أصوات كردية تنادي بإدارة ذاتية قائمة عملياً بعد أن انسحبت السلطة منها . هذا سمح بنشوء نواة إقليم كردي في سوريا، وهو أمر تسكت عنه دمشق رغم كل الخطاب الرسمي عن السيادة الوطنية، وقلما تتحدث المعارضة عنه علناً رغم خطابها بخصوص الحفاظ على وحدة البلاد . على هذا النحو تمت الاستفادة من الأزمة السورية الطاحنة بأقل الأضرار المادية والخسائر في الأرواح، مقارنة بالدمار الهائل الذي لحق بأغلبية المناطق وعمليات النزوح الكثيفة منها . . واقع الحال أن النزوح المحدود للأكراد السوريين تم نحو كردستان العراق . . وبهذا انتقل النازحون من وطنهم إلى صفوف شعبهم! . . ومقابل حالة التصدع والاقتلاع التي عاناها وما زال يعانيها بقية النازحين السوريين نحو الدول المجاورة، فإن نزوح الأكراد السوريين مكنهم من تمتين أواصرهم بقطاع كبير من شعبهم، والإقامة في النواة المركزية للكيان الكردي الموحد .

وقد استمرت التفاعلات السياسية بقيام حكومة اقليم كردستان بإقامة مظلة للتنسيق بين الحركات الكردية السورية، لمنع اتساع شقة التباينات وتوجيهها نحو خدمة المصالح القومية، وقد أردف ذلك بعقد اجتماع هو الأول من نوعه في أربيل لجميع الحركات الكردية الأساسية في تركيا وسوريا وإيران والعراق وجرى توجيه الدعوة للاجتماع باسم مسعود البرزاني وجلال الطالباني(ما زال رئيساً لجمهورية العراق) وعبدالله أوجلان الذي لم يمنعه وجوده وراء القضبان من هندسة الاتفاقية السلمية مع أنقرة . الاجتماع حضره ممثلون عن 39 حزباً كردياً يوم 27 يوليو/تموز الماضي، وشكّل لجنة تحضيرية لمؤتمر قومي لاحق يعقد في سبتمبر/أيلول المقبل .

وفي كلمته أمام المؤتمر ذكر برزاني أن الهدف هو أن تتوصل الأطراف السياسية الكردستانية كافة إلى خطاب واستراتيجية مشتركة، مبنية على أساس إيصال رسالة سلام وتعايش إلى شعوب المنطقة، وأن أسلم طريق للتعامل مع العالم الخارجي وضمان الحقوق المشروعة للشعب الكردي هو اعتماد الحوار والسلام وانتهاج الأسس الديمقراطية، ما سيؤدي إلى إعطاء الشرعية الدولية لمطالبه .

فيما ذكر القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني عدنان المفتي في حديث إذاعي أن المجتمعين شددوا على أن رسالتهم هي رسالة سلام لدول المنطقة، وأن الشعب الكردي الذي حرم من حق تقرير مصيره بعد الحرب العالمية الأولى، بات يتطلع الى الحرية ويريد من العالم مساعدته .

والرسالة واضحة وهي ان الحركة الكردية تجد نفسها على أبواب تقرير المصير، وتحقيق الحلم القومي . وإذ تنتصب عوائق واعتراضات موضوعية أمام بلوغ هذا الحلم، فالجديد في الأمر أنه بات هناك إطار قومي مركزه أربيل يجمع مختلف الحركات والأحزاب الكردية للحؤول دون الاستفراد بها، وأن مطمح إنشاء وطن قومي كردي أصبح على جدول الأعمال الراهن، لا مجرد حلم يداعب النفوس .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"