وعي إنساني يتشكل

01:13 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

لا تتوقف الجهود الدولية، تعاوناً وتنسيقاً، لمواجهة جائحة فيروس كورونا التي ما زالت تتمدد، وتغزو مناطق جديدة في العالم، وتقريباً، أصبحت كل القارات والبلدان تحت رحمة هذا الوباء. ومع ارتفاع عدد الإصابات، والوفيات، لا سيما في أوروبا، والولايات المتحدة، يبدو أن وعياً انسانياً جديداً بدأ ينبثق، ويتشكل من قلب هذه المحنة التي يقول أغلب المتابعين إن العالم بعدها لن يشبه ما قبلها، أو هكذا يظنون.
قد تكون المرة الأولى في التاريخ، بسبب التطور الإعلامي والتكنولوجي، تشعر الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها، بالألم نفسه، وتحس بأن مواجهة هذا الفيروس الغامض باتت معركة مفروضة على الجميع، إذ لم يعد مجدياً التمييز بين أمّة متقدمة، وأخرى متخلفة، أو دولة عظمى، وأخرى صغرى، فالكل سواء أمام هذا الوباء، والكل يبذل أقصى طاقته لحماية أرواح الناس، والحيلولة دون تضرر مقومات الصحة، والاقتصاد، والخدمات الضرورية للمجتمعات. وبالتوزاي مع الانهماك الشامل في مواجهة اللحظة الراهنة، هناك رغبات، تبدو صادقة، للتفكير في مستقبل البشرية بالعمل المخلص، والنزيه، لتجنيبها مثل هذا المصير غير المتوقع. وبمتابعة مواقف وتصريحات زعماء العالم، وقادة منظماته، وهيئاته، تتراءى، للعين المجردة، وقفة جماعية للتأمل في ما يجري، والاعتبار منه. فالخطب الذي تواجهه الإنسانية ليس هيناً، وهو غير مسبوق في خطره، وشموليته، وتداعياته، وربما يكون أسوأ من حرب عالمية ثالثة، ظلت البشرية تعيش على كابوسها منذ انتهاء الحرب الثانية، قبل ثلاثة أرباع القرن.
وفي الأيام الأخيرة بدأت كلمة «الحرب» تتردد على ألسنة القادة، والمسؤولين، في مؤشر على تصميم واسع في مواجهة «كورونا»، كما تعبر عن تضامن غير مسبوق. وبعدما أعلن الرئيس الصيني، شي جي بينج، أن بلاده لن تبخل بتقديم المساعدة للجميع، قدمت بكين مساعدات عاجلة إلى أوروبا. كما أقامت روسيا جسراً جوياً ينقل المعدات الطبية إلى إيطاليا التي أصبحت أكثر البلدان تضرراً من الفيروس، وإلى دول أوروبية أخرى. وهذه المبادرات هي جزء من هذا الوعي الإنساني الذي بدأ ينمو، ويخترق الحدود النفسية، والسياسية، والأحلاف، والمعاهدات بين مختلف الدول، ولا سيما بين من كانوا محسوبين على الشرق، والمحسوبين على الغرب.
وبدلاً من معسكرين، أو أكثر، استطاع «كورونا» أن يضع كل دول العالم في معسكر واحد لمواجهته. ومثلما أكدت النداءات والبيانات، فإن الحرب الشاملة المعلنة على هذا الفيروس الخبيث ستنتهي بالنصر للإنسانية، والحياة. وربما ستكون النتيجة عالماً مختلفاً، كما يتوقع أغلب المطلعين. ومن مؤشرات هذا الاختلاف الدعوات الصريحة لتغيير كثير من السياسات التي ألحقت أبشع الضرر بالإنسان، والطبيعة، والمناخ. وقد يكون فيروس كورونا المستجد جرس إنذار لما هو أسوأ، وقد يساهم في إعادة النظر في قضايا التسلح، والدفاع، والاهتمام بقطاع الطب، والبحوث، ما سيسمح باكتشاف علاجات للأمراض المستعصية، والفيروسات الخطيرة، من أجل بناء عالم أكثر أمناً بشروط الصحة، والسلامة، وليس بالجيوش الجرارة، وأسلحة الحرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"