. .وفي السياسة أيضاً مرض عقلي - اجتماعي

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
لو ألقى الإنسان نظرة متفحصة على الصفات الأساسية التي تتحلى بها العديد من أنظمة الحكم لوجد معظمها يتصف ببعض أو كل الصفات التالية:
* أولاً: هناك البعض الذي لا يخضع للمعايير المتحضرة المتعارف عليها في المجتمعات المتقدمة وذلك بالنسبة للعلاقات المطلوبة بين الحاكم والمحكومين . فهذه العلاقات لا تحتكم إلى دساتير وقوانين عادلة مطبقة بتساوٍ بين الجهتين، فتكون النتيجة كسر وخروج دائمين على القانون لصالح الأقوياء .
ثانياً: هناك البعض الذي يمارس رذيلة الخداع من خلال ممارسة الكذب بواسطة وسائل إعلامية فاجرة، أو انتحال أسماء وأوصاف لا تنطبق على نظامه، أو تضليل شعوبه إلى ما يصب في النهاية في صالح امتيازات الحاكمين .
ثالثاً: هناك البعض الذي يتصرف بنزق من دون حساب للعواقب . ولقد رأينا قادة يدخلون شعوبهم في حروب مدمرة من دون دراسة أو تفكير . مثل هؤلاء لا يؤمنون بالتخطيط المسبق الذي يوازن بين الخطوات والقرارات من أجل اتباع الأسلم والأفضل .
رابعاً: هناك البعض الذي يتصف بالعدوانية تجاه مجتمعاته من خلال أنظمة عصبية تجاه كل ما تعتقد أنه ضار بها وبامتيازاتها وبالتالي فإنها تستعمل كل أساليب العنف المادي والمعنوي للإبقاء على تلك الامتيازات .
خامساً: هناك البعض الأهوج الذي لا تهمه عواقب تصرفاته وحماقاته . مثل هذه الحماقات قادت أحياناً إلى كوارث اقتصادية واجتماعية للأغنياء والفقراء على السواء، وأدت إلى انقلابات إيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس .
سادساً: هناك البعض الذي لا يثق بقدرته على تحمل المسؤولية . إنها أنظمة كسولة متثائبة غير كفؤة تنقل مجتمعاتها من محنة إلى محنة أخرى من دون أن تقبل المساءلة والمحاسبة أو دفع الثمن أو حتى الاعتذار .
سابعاً: أخيراً هناك البعض الذي لا يتحرك فيه ضمير إنساني، وبالتالي لا يندم على ارتكابه الأخطاء . أو المساهمة في إيذاء شعبه، بل حتى التسبب في موت الألوف من أبناء وبنات مجتمعاته التي يحكم . مثل هؤلاء ينامون قريري العين بينما شعوبهم تعيش في جحيم الفقر والمرض والجهل، بل ويستطيعون بانتهازية أخلاقية، اختلاق التبريرات الواهية الكاذبة لكل ما يتسببون بحدوثه . فالبطالة والفقر مثلاً سببهما الكسل والدلع وليس النهب والظلم .
نحن أمام سبع صفات وسلوكيات لو اتصف بها أو ببعضها فرد أو مارسها لشخصه أطباء وعلماء النفس بأنه مصاب بالمرض العقلي الشهير المسمى سايكوباثي (psychopath) وهو عبارة عن لوثة عقلية تجعل المصاب بها أقرب إلى الجنون الذي يمنع صاحبه من السلوك سلوكاً طبيعياً والتفكير بمنطق وموضوعية .
هذا المرض لا يعالج بإلقاء المواعظ والنصائح على الفرد المصاب . إنه يحتاج لعلاج نفسي لكل الاختلالات النفسية ويحتاج في الوقت نفسه لخطوات عقابية للصفات الاجتماعية العدائية التي تضر بالآخرين .
وإذا عرفنا بأن بعض الدراسات البحثية قد أظهرت انتشار هذا الانحراف العقلي - الاجتماعي بين السياسيين ورجال الأعمال لأدركنا أهميتها، إذ أظهرت ممارسة الصفات والسلوكيات السايكوباثية من قبل الشركات العولمية الكبيرة في حقل المال والاقتصاد، ومن قبل الأنظمة السياسية القمعية غير الديمقراطية في عالم السياسة .
الإشكالية في الموضوع برمته هو أنه عندما يصاب فرد بهذا التشوه العقلي - الاجتماعي فان عواقبه تظل محصورة في محيط الفرد الضيق والمحدود .
لكن عندما تمارس الشركات الكبرى أو أنظمة الحكم بعض أو كل تلك الصفات والسلوكيات فإن أضرارها قد تصيب الألوف أو الملايين . ولنا في تاريخنا وتاريخ البشرية آلاف الأمثلة مثل نيرون والحجاج وهتلر وستالين وفرنكو وبعض قيادات الانقلابات العسكرية، من الذين تميزت تركيبتهم النفسية - الاجتماعية بالنرجسية والخداع والتصرفات غير المسؤولة وموت الضمير والقدرة اللامتناهية على تبرير تصرفاتهم من خلال وضع اللوم على الآخرين . إنهم أناس لم يستطيعوا كبح جماح رغباتهم المتوحشة ولا الإحساس بالذنب تجاه آلام وعذابات ضحاياهم .
وفي الاقتصاد يكفي أن نتذكر ما فعلته الكثير من الشركات من تلويث وتدمير للبيئة الطبيعية، ومن إدخال العالم
في أزمات مالية واقتصادية زادت في غني الأغنياء وفي فقر الفقراء .
مثلما تضج عائلات ومجتمعات مرضى السايكوباثي من كثرة أذاهم وتتطلع إلى يوم علاجهم وشفائهم تطلعت مجتمعات الوطن العربي، بأشكال مختلفة، من خلال ثورات وحراكات الربيع العربي التي ما زالت تفور ولا تهدأ، وتطلعت إلى إنهاء مظاهر ذلك المرض في مجتمعاتها .
هل من علاج؟ نعم، في حالتنا العربية يكمن العلاج في الانتقال إلى مجتمعات ديمقراطية عادلة . بغير ذلك سنظل ندور في نرجسيات القائد الفذ والملهم والحزب الطليعي، وهي مسميات تخفي من ورائها كل صفات مرض السايكوباثي .

د . علي محمد فخرو

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"