«التغرودة».. موروث من وجدان الحياة القديمة

فن شعري يعكس أصالة الماضي وعبقه وغناه
02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
العين: هديل عادل

أدرجت اليونيسكو «التغرودة» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية بتاريخ عام 2012، وهي فن شعري غنائي عريق معروف في بوادي الإمارات وسلطنة عُمان منذ القدم، وتدور معظم قصائده القديمة حول موضوعات الحماسة والتحدي والصراعات، ولذا فهو فن رجولي كانوا يؤدونه من على ظهور الجمال والخيول.
وتمتاز قصائد التغرودة بأنها قصيرة وذات موضوع واحد، وتقوم على وزن الرجز والبيت فيها شطر منه، ولجميع أبيات القصيدة قافية موحدة، وهو ما يكشف عن أصالتها وجذورها الممتدة إلى الأراجيز العربية القائمة على وزن مشطور الرجز، والتي عرفت عبر العصور العربية منذ الجاهلية.

يتحدث خلفان عبدالله الكعبي، الشاعر والباحث في التراث، عن التغرودة الإماراتية، قائلاً: «هي فن تراثي عريق وموروث شعبي، عبارة عن أبيات من الشعر متشابه الصدر والعجز، من البحور القصيرة، وتتناول مدح كبار القوم وتعريف العادات والتقاليد والتباهي بالقوة والشجاعة ووصف النوق (الجمال) الندّر وغيره من الأغراض الشعرية، وغالباً ما يؤدى على ظهور الجمال بلحن صوتي بدون مصاحبة أي آله موسيقية، لذلك فهو يعتمد على المبالغة في مد الحروف المتحركة لتشكل بنفسها نوعاً من الإيقاع الصوتي الذي يحدث في أذن السامع تأثيراً عميقاً يطرب له ويتفاعل معه، وتقال التغرودة على ألسنة الشعراء الرجال في مناسبات الحروب، وفي التحديات واللوم والتقريع والعتاب، وكذلك في الفخر والحكمة، ووصف الإبل والتفاخر بالمطايا وأوصافها المميزة، وفي جلسات السمر والطرب».
سجل للمآثر
حول ارتباط «التغرودة» بتراث وتاريخ الإمارات، يعلق قائلاً: «انتشر هذا الفن بين القبائل البدوية التي كانت تهتم بتربية الإبل في المنطقة الغربية ومدينة العين، وبعض التجمعات البدوية حول المناطق الجبلية من رأس الخيمة والفجيرة، وسكان القرى الزراعية الصغيرة، وتميزت هذه المناطق بثقافة الإلقاء الشعري التي كان يقوم بها كبار السن عادة، وتعكس التغرودة عمق التجربة الشعرية لدى القبائل البدوية في الإمارات، وتاريخها وقيمها وعاداتها الاجتماعية، وكانت بمثابة سجل يختزن مآثر القبائل وعاداتها وتجاربها على مر الأيام، ولهذا تعتبر ملمحاً مهماً من ملامح التراث والثقافة الشعبية في الإمارات، ويعكس أصالة الماضي وعبقه وغناه».
مهرجانات سنوية
عن الجهود المبذولة للحفاظ على فن التغرودة باعتباره من الفنون الأصيلة في الدولة، يتابع قائلاً: «تبذل الإمارات ممثلة في مؤسساتها الثقافية والتراثية جهوداً كبيرة في التعريف بهذا التراث وحفظه من الاندثار والضياع، وساهمت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بشكل كبير في الحفاظ على هذا الفن من خلال التعريف به كفن إماراتي في جميع أنحاء العالم، ويشارك كثير من الشعراء وأصحاب الأصوات الجميلة بكتابته وأدائه في المحافل الرسمية والخاصة، وتكللت تلك الجهود بإدراج «فن التغرودة» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة عام 2012، ويسهم إدراجها لدى اليونيسكو في تشجيع الجمعيات التراثية لتقديم عروضها في المناسبات الاجتماعية والوطنية والمسابقات الشعرية، لاسيما تلك التي تعقد أثناء مهرجانات التراث السنوية أو سباق الهجن، وتطوير هذا اللون الشعري بحيث يتناول موضوعات مجتمعية معاصرة».
يتناقل شفهياً
من العادات المرتبطة بفن التغرودة، يقول الكعبي: «أغلب شعراء وحاملي هذا التراث من الرجال الذين تعودوا على قضاء أكثر أوقاتهم على ظهور المطايا، وهم أصحاب حظوة ومكانة اجتماعية مرموقة، لما لهم من دور بالغ الأهمية في حفظ ونشر هذا التراث القولي بين العامة التي تنتشي طرباً لسماعه، وتتفاعل مع إلقائه وكلماته المعبّرة، ومن أهم الوظائف التي ارتبطت بهذا الفن في الماضي تسلية المسافرين خلال رحلاتهم التي كانوا يجوبون فيها الفيافي والصحارى الواسعة الفسيحة، كما كانت تسهم في توثيق أواصر الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع من خلال ما يتم تناقله شفهياً من موضوعات عبر أشعار التغرودة، وإرسال الرسائل إلى المحبوب والأقارب والأصدقاء وشيوخ القبائل، ويعد هذا الفن وسيلة مهمة يمكن للشاعر التعبير من خلاله عن موقفه من قضية اجتماعية، أو الإدلاء برأيه في موضوع معين، وتلعب التغرودة كذلك دوراً كبيراً في بعض الأحيان في تسوية النزاعات بين الأشخاص والقبائل، ولفت انتباه الناس إلى بعض الجوانب المضيئة في علاقاتهم الاجتماعية والقبلية والتاريخية، وتسهم في تحسين وتوطيد علاقة الجوار بين القبائل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"