«صفقة» قد تفجر انتفاضة

02:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

ألقى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قنبلة سياسية؛ بإعلانه أنه لم يعد يرى بداً من نشر «صفقة القرن» خلال أيام قليلة؛ بعدما تأجل نشرها مرات عدة في الماضي. وكما جرى سابقاً؛ حيث كان تأجيل نشر هذه «الصفقة» يتم لأسباب تتعلق بالانتخابات «الإسرائيلية»، فإن الإسراع بنشرها هذه المرة يتعلق أيضاً بالانتخابات «الإسرائيلية» والأمريكية على حد سواء. وإذا كان نشر الصفقة لم يثر جدلاً كبيراً في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فإن هذا الجدل تعاظم في الكيان، وفي العالم بأسره.
تسابقت وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية على نشر تسريبات وتوقعات بشأن ما ستحتوي عليه الصفقة عند الإعلان عنها. غير أن الرئيس الأمريكي كتب في تغريدة له أن «التقارير حول التفاصيل والجداول الزمنية لخطتنا السلمية، التي ظلت سرية حتى الآن، هي تكهنات بالمطلق». وكانت الإدارة الأمريكية قد أوضحت على مدى العامين الفائتين، أنها تتطلع إلى فرض تسوية تخدم الكيان، ولا تأخذ الفلسطينيين كثيراً بالحسبان، والأهم أنها لا تلتزم بالشرعية الدولية وتلتف عليها.
وهكذا، فإن المراقبين والمعلقين من ذوي الشأن في الكيان وخارجه لا يرون أن قنبلة ترامب السياسية تخدم العملية السلمية، بقدر ما تخدم المصالح الخاصة لكل من ترامب ورئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو. ولاحظ كثيرون على وجه الخصوص ردود فعل المنافسين لنتنياهو داخل الكيان، فضلاً عن ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية؛ لكن كل هذه الردود لا تعني شيئاً لترامب الساعي لإعادة انتخابه؛ عبر اجتذاب الإنجيليين في ظل ملاحقة الكونجرس له ولنتنياهو الراغب في إبعاد شبح المحاكمة الجنائية عنه. فمن الأفضل للرجلين إدارة معركة انتخابية في ظل صخب الحديث عن «صفقة القرن»، وليس في ظل الحديث عن محاكمات ترامب ونتنياهو.

تدخل في الانتخابات

وليس صدفة أن توقيت نشر الصفقة، ودعوة نتنياهو ومنافسه رئيس حزب «أزرق أبيض»، بني جانتس لزيارة العاصمة الأمريكية، أثار التساؤلات. فالتزامن بين دعوة ترامب لنتنياهو وجانتس إلى واشنطن ويوم بدء الكنيست مداولات طلب نتنياهو للحصانة من تقديمه للمحاكمة كان صارخاً. وأشار الكثير من المعلقين في الكيان إلى أن هذه الدعوة تعد تدخلاً فاضحاً في الانتخابات العامة، وأنها لعبة من ترامب؛ لإتاحة المجال لنتنياهو للتهرب من مناقشات الحصانة. كما أن اليمين في الكيان والذي يعد ترامب «أعظم صديق»له، شدد على عدم استعداده للقبول بأي مقترح يسمح «بتسليم أرض للعرب أو إقامة دولة فلسطينية» على أي شبر من «أرض «إسرائيل».
وتحدث كثيرون في «أرزق أبيض» عن أن الإعلان عن نشر «صفقة القرن» ليس أكثر من شرك نصبه نتنياهو وترامب؛ لترجيح كفة الأول في الانتخابات في مطلع مارس/آذار المقبل؛ بل إن جانتس تردد في قبول الدعوة إلى واشنطن؛ لكنه عاد وقبلها باشتراطات بينها ألا يعقد لقاء ثلاثي مع ترامب بحضور نتنياهو. وزاد على ذلك أنه سيطالب ترامب بتأجيل عرض الصفقة إلى ما بعد الانتخابات، وأن تشكل مقدمة لتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين والعرب. كما أن زعيم «إسرائيل» بيتنا» أفيجدور ليبرمان طالب إدارة ترامب بتأجيل عرض الصفقة إلى ما بعد إجراء الانتخابات في الكيان.

الموقف الفلسطيني

وحسب كبير المعلقين السياسيين في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم بارنيع، فإن الإعلان عن الصفقة هو من ترتيب السفير «الإسرائيلي» في واشنطن رون دريمر، ومساعد ترامب وصهره، جاريد كوشنر. والأهم أن ذلك تم «وفقاً للمصالح الفورية للطرفين؛ إذ لا يوجد فيها طرف ثالث. لا شريك: لا من الفلسطينيين؛ ولا الدول العربية؛ ولا العالم الإسلامي عموماً».
ومن الواضح أن العرب والمسلمين عموماً والفلسطينيين خصوصاً، وبعد ما لاحظوا الانحياز الأمريكي التام للكيان، لم يعودوا يرون في واشنطن وسيطاً نزيهاً. وفي نظر أغلبية هؤلاء، إن لم يكن جميعهم، كانت «صفقة القرن» مرفوضة؛ لأنها لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية في الدولة، وتقرير المصير وفق الشرعية الدولية. وأعلنت القيادة الفلسطينية أنها سوف تتخذ سلسلة خطوات؛ لصيانة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحذرت أمريكا والكيان من تجاوز ما سمته «الخطوط الحمر». ولا يستبعد المراقبون أن تنفجر انتفاضة عارمة في وجه الاحتلال، وأن تحدث تطورات تضع الاحتلال مباشرة في مواجهة الشارع الفلسطيني. وطبعاً يعتمد الكثير من التطورات اللاحقة على التحركات العربية والدولية في مواجهة الخطوات الصهيونية التالية.
فمنذ منتصف العام الفائت، وفي حمى المعركة الانتخابية، أعلن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو عزمه ضم غور الأردن وشمالي البحر الميت إلى الكيان. ورأى كثيرون في ذلك محاولة لصرف الأنظار عن التحقيقات والملاحقات القانونية له بتهم الفساد.
ولم يردع الصهاينة في هذا المجال إقدام المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، على طلب الإذن من المحكمة للبدء بتحقيق جنائي في جرائم حرب في الأراضي المحتلة. وتقف على رأس جرائم الحرب المفترض التحقيق فيها المستوطنات ونقل السكان من دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة. وليس صدفة أن يعود الحديث عن «صفقة القرن» وضم الأغوار إلى الواجهة في ذروة استغلال الكيان لمهرجان إدانة المحرقة النازية.
في كل حال هناك من يؤمن بأن نشر الخطة الأمريكية لن يقود إلا إلى تفجير الوضع في الأراضي المحتلة. وربما أن نذر حدوث ذلك هو ما جرى من اقتحامات في المسجد الأقصى يوم تمهيد ترامب لإلقاء قنبلته السياسية؛ حيث إن الفلسطينيين يرون أن الصفقة ولدت ميتة، والصهاينة يعدون نشرها «فرصة تاريخية» غير أن معلقين يرون أنها «مأساة القرن».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"